أو قول البحتريّ [في «ديوانه» ١ / ١٠٠ من الطّويل] :
فلا تذكرا عهد التّصابي فإنّه |
|
تقضّى ـ ولم نشعر به ـ ذلك العصر |
ومن خير ما في هذا الموضوع قول متمّم [من الطّويل] :
فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالكا |
|
لطول اجتماع لم نبت ليلة معا |
وكنّا كندماني جذيمة برهة |
|
من الدّهر حتّى قيل لن نتصدّعا |
ولقد شهد بعض ذلك السّائح الباسقيّ ، فقال : (إنّي لأرثي لمن يفارق هذه الدّيار ، وأتصوّر أنّ حنينه يطول وبكاءه يدوم).
لكنّ الزّمان جفول ؛ فبينما هم في ظلّ عيش غفول .. إذ تضيّفت الشّمس للأفول ، ولم يبق إلّا القليل ، الّذي لا يروي الغليل.
يا منزلا أعنقت فيه الجنوب على |
|
رسم محيل وشعب غير ملتئم |
هرمت بعدي والرّبع الّذي أفلت |
|
منه بدورك معذور على الهرم (١) |
ولقد وصفته في يوم غام ضحاه ، وأرجف رعده برحاه ، وتخيّلت عهد الأشياخ ، فقلت من مطوّلة [من الخفيف] :
في رياض من النّخيل تلاقى ال |
|
ماء فيها من السّما والسّواني |
طبن مرأى ومسمعا ومذاقا |
|
وخيالا بذكريات حسان |
ملعب اللهو مسقط الرّأس مأوى ال |
|
غيد من هاشم سباط البنان |
سادة يملأ الزّمان سناهم |
|
بهجة من فلانة وفلان |
وأسعد ما شهدت من زمانه العام الّذي اخترف بقربه سيّدي وشيخي الأستاذ الأبرّ مسند الدّنيا : عيدروس بن عمر ، وهو عام (١٣٠٧ ه) ، فلقد عظمت تلك السّنة المنّة ، حتّى كأنّما استرقت الأيّام من الجنّة ، وكانوا أوّل الخريف في جدب ، فلمّا
__________________
(١) البيتان من البسيط ، وهما لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ٩٣). أعنقت : سارت مسرعة. الرّسم : ما لصق بالأرض من آثار الدّيار. محيل : دارس.