عندكما من العقل ، وقد جرّبت الزّمان وأهله ، لم يزد على ذلك ، فسكتا ، ولكنّهما انصرفا عمّا كانا نوياه ، وأنا على يقين أنّه لم يكن إلّا عن فراسة صادقة ؛ إذ لم تعلم حتّى ثيابهم بما كانوا يبيّتون ، ولقد حفظني بظهر الغيب ، وطبع نشرتين في الذّبّ عنّي لمّا تكلّمت عليّ صحيفة «الوطن» (١) الصّادرة بسنغافورة ، إحداهما خاصّة بي ، والثّانية جامعة لي وللسّادة الأجلّاء الكرام : محمّد بن حامد السّقّاف ، وحسن بن علويّ بن شهاب ، ومحمّد بن عبد الرّحمن بن شهاب ، في الثّناء علينا والنّضال عنّا ، مع أنّ الأخير كان ينافسه ويبتغي له الغوائل ويدبّر له المكايد ، ولمّا خلى مكانه في سنة (١٣٣٢ ه) .. لم يستطع أولئك الرّهط الّذين ملؤوا نواحي جاوة بقاقا (٢) وأوراقا أن يشغلوا مكانه بأحد ممّن يرشّحونه ويتمنّون أن لو كان في موضعه ، فانطبق عليهم معه قول الحطيئة [في «ديوانه» : ٤٠ من الطّويل] :
أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم |
|
من اللّوم أو سدّوا المكان الّذي سدّوا |
ومن اللّطائف : أنّ سيّدي عثمان وقتما كان بالغرف اعتلّ يوما عن حضور الجمعة ببعض أعذارها ، وكان من عادته التّبكير ، فكلّ من جاء إلى الجامع .. رجع وتوهّم أنّ الوقت لم يدخل ، وهكذا حتّى بقي الخطيب وحده حتّى وجبت العصر.
ومن أهل الغرف : ولده العلّامة البحّاثة ، المحقّق الفقيه محمّد بن عثمان (٣) ، كان من استحضاره «تحفة ابن حجر» كأنّما يحفظها توفّي بسنغافورة سنة (١٣١٦ ه).
ومنهم : ولده علويّ بن عثمان ، كان من أهل العقل والدّين والصّلاح ، توفّي حوالي سنة (١٣٤٤ ه).
ومنهم : ابنه محمّد بن علويّ بن عثمان ، كان شهما صالحا ، لمّا حضره الموت
__________________
(١) «صحيفة الوطن» : أسبوعية ، كان يصدرها السيد حسن بن علوي بن شهاب في سنغافورة ، وهو مدير تحريرها ، لكنه كان ينسبها إلى غيره تواريا عن الأنظار.
(٢) رجل بقاق : كثير الكلام.
(٣) ترجم له السيد محمد بن حسن عيديد في «الإتحاف» ، وذكر أنه كان ذكيا عالما ، وإذا سئل عن مسئلة .. أجاب وأحال السائل إلى المراجع الكبيرة ، بل ربما ذكر له الجزء والصفحة!.