والغرض من ذلك كلّه (١) دفع توهّم أنّ سبب الضمان في الفاسد هو القبض لا العقد الفاسد ، فكيف يقاس الفاسد على الصحيح في سببيّة الضمان ، ويقال :
______________________________________________________
(١) أي : من توجيه سببيّة العقد الفاسد للضمان بالوجهين المتقدمين ، وهما : كون العقد سبب السبب ، أو سببا ناقصا. وغرضه من هذا البيان دفع توهّمين :
الأوّل : أنّ جعل «الباء» للسببيّة في العقد الصحيح أمر معقول. بخلاف العقد الفاسد ، لعدم تأثيره في ضمان المتعاقدين ، إذ تمام المؤثّر في الضمان هو القبض. وعليه فلا معنى لأن يقال : «إنّ العقد الذي يضمن بسببه إن كان صحيحا يضمن بسببه إن كان فاسدا» لما عرفت من عدم دخل العقد الفاسد في الضمان ، وعليه يتعيّن جعل الباء للظرفيّة ، هذا.
وقد دفعه المصنف بصحة إطلاق «السبب» على العقد الفاسد ، إمّا لأنّه سبب السبب ، ومن المعلوم أنّ سبب السبب سبب بمقتضى قياس المساواة. وإمّا لأنّه سبب ناقص ، ويكون مشروطا بالقبض ، لا أنّ تمام السبب هو القبض كما زعمه المتوهّم.
الثاني : أنّ مقتضى سببيّة «الباء» هو كون العقد علّة تامة للضمان ، من دون أن يكون للقبض دخل فيها أصلا ، سواء أكان العقد صحيحا أم فاسدا. ومن المعلوم أنّ هذا الظهور ينافي ما تقرّر عندهم من عدم تأثير العقد الفاسد في الضمان إلّا بالقبض. ولا يرتفع هذا التنافي إلّا بتخصيص قاعدة «ما يضمن» بأن يقال : «كل عقد يضمن بسبب صحيحه يضمن بسبب فاسدة ، إلّا العقد الفاسد قبل القبض» ويبقى للقاعدة موارد ثلاثة وهي العقد الصحيح مطلقا مع القبض وبدونه ، والعقد الفاسد بعد القبض.
وقد دفعه المصنّف قدسسره بأنّه لا موجب للتخصيص المزبور أصلا ، إذ لا يراد من سببيّة العقد للضمان عليّته التامة حتى يقع التنافي المذكور ، بل المراد مطلق السببيّة ولو الناقصة ، ولا يستند الضمان في العقد الفاسد إلى خصوص القبض حتى يبقى مجال للتوهم. وعليه فالضمان مستند إلى العقد ، إمّا لأنّه علة العلة ، وإمّا لأنّه مقتض وسبب ناقص له.