من الحسن أو القبح الاقتضائي بطروء الجهة المزاحمة. وهو في غير محله ، لأن لازمه كون الكذب الذي ينحصر به اندفاع المفسدة المهمة كغيره مما لا قبح فيه إذا توقف عليه اندفاع تلك المفسدة ، وهو مخالف للارتكاز جدا. ويأتي بعض الكلام في ذلك عند الكلام في حقيقة الحسن والقبح المذكورين.
كما أن جهات الحسن والقبح العقلية قد تزاحم بدواع خارجية عاطفية أو غيرها. وقد تمنع من تأثيرها في فعلية الاندفاع عنها ، كما هو الحال في جميع الدواعي مع اختلاف سنخ الداعوية ـ كما لو تزاحم الداعي العاطفي والداعي الشهوي مثلا ـ حيث يبقى كل من الداعيين على ما هو عليه من فعلية الداعوية وإن امتنع تأثيرهما في العمل معا ، بل يختص أحدهما به أو يسقطان معا عن التأثير.
بل الدواعي المزاحمة في المقام قد تمنع من تجلي الحسن أو القبح المدركين ، أو من الاعتراف بهما مع تجليهما ، حيث قد لا يهون على الإنسان الاعتراف بخروجه عن الميزان العقلي ، بل تكون كبرياؤه غشاء مانعا من تجلي الحقيقة ، أو سببا في الإنكار والمباهتة.
لكن ذلك لا يغير الحق عما هو عليه ، ولا ينهض بالعذر في مقابل المرتكزات العقلية التي تقوم بها الحجة عند الله تعالى وعند الناس.
ثانيهما : أنه بعد صدور الممكنات ـ من التكوينيات والتشريعيات ـ من الله عزوجل فحيث يمتنع تحقق الإرادة من غير داع ، وامتنع في حقه سبحانه الداعي الفطري ـ من طلب النفع ودفع الضرر ، لاستلزامهما الحاجة ـ وغيره من الدواعي العقلائية غير العقلية المتقدمة ـ لاستلزامها النقص ـ فضلا عن الدواعي غير العقلائية ـ لاستلزامها العبث ـ تعين ثبوت الداعي العقلي الراجع لحسن النظام الأكمل التكويني والتشريعي ، المعلوم له جل شأنه في رتبة سابقة