المراد بالتعارض الذي يكون معيار الترجيح فيه قوة الدليل ، ولا أثر فيه لقوة الملاك وأهمية التكليف ، ولا طريق معه لإحراز ملاك الحكم الذي يتضمنه الدليل الساقط عن الحجية.
وأما في الثاني فلا تكاذب بين الإطلاقين بنظرهم ، بل يحمل كل منهما على بيان ثبوت حكمه في نفسه لو لا العجز عن الامتثال الذي يسقط معه الحكم عن الفعلية مع بقاء ملاكه ، ويتعين فيه تزاحم الحكمين الذي يكون معيار الترجيح فيه أهمية الحكم تبعا لأهمية ملاكه ، ولا أثر فيه لقوة الدليل ، على ما يأتي في خاتمة مبحث التعارض. ولا إشكال في شيء من ذلك.
كما لا إشكال في أن أظهر مصاديق الأول ما إذا اتحد موضوع الحكمين بلحاظ العنوان والمعنون ، كما لو دل الدليل على وجوب إكرام العلماء والآخر على حرمة إكرامهم ، وأن أظهر مصاديق الثاني ما إذا تعدد موضوعهما بحسب العنوان والمعنون ، كما فيما دل على وجوب إنقاذ المؤمن وما دل على حرمة التصرف في المغصوب ، لو توقف الإنقاذ على التصرف فيه.
وإنما الإشكال فيما إذا تعدد موضوعهما بحسب العنوان واتحد بحسب المعنون ، لاجتماع العنوانين في بعض الأفراد ، حيث يلتبس الأمر في ذلك.
وعليه يبتني الكلام في تمييز موارد تعارض العامين من وجه من موضوع مسألة اجتماع الأمر والنهي. وإن كان الظاهر اتضاح الحال بملاحظة أقسام العناوين وكيفية انتزاعها من معنوناتها.
فإن العناوين الحاكية عن فعل المكلف الصالح لأن يكون موضوعا للأحكام التكليفية ومعروضا لها تارة : تكون أولية حاكية عنه بذاته من دون أمر خارج عنه ، كعنوان المشى والنوم والتكلم والأكل والشرب والسب والمدح والغيبة وغيرها.