ورود مكاتبة من سيباي نائب الشام
إلى السلطان الغوري وهو في غزة
قال المحلي : ولما كان السلطان في غزة ورد عليه مكاتبة من عند سيباي نائب الشام يذكر فيها الذي يعرضه المملوك على المسامع العالية أعلاها الله تعالى وأدامها أن العبد سمع بأن السلطان يريد السفر إلى قتال ابن عثمان وأن المملوك يقوم بهذا الأمر ويكون السلطان مقيما بمصر ويمد المملوك بالعساكر المنصورة ، والذي يعلم به مولانا السلطان أن خير بك ملاحي علينا ومكاتيبه لا تنقطع من عند ابن عثمان في كل حين. فرد عليه السلطان : ها نحن قد جئناهم بأنفسنا. ثم أمر بالرحيل بالجيوش والعساكر وهم يموجون كالبحر الزاخر والسحاب الماطر.
ومن غريب صنع الله تعالى أن السلطان الغوري كان له رمّال حاذق فكان كل حين يقول له السلطان : انظر إلى من يلي الحكم بعدي ، فيقول : حرف السين ، فكان يعتقد أنه سيباي ، وكان كلما كتب سيباي للسلطان بما يفعله خير بك نائب حلب من المكاتبات للسلطان سليم بأنه معه وأنه ملاحي على أبناء جنسه ويحرضه على المجيء إلى أخذ مصر من الجراكسة والسلطان الغوري لا يقبل من سيباي نصيحة حتى نفذ قضاء الله تعالى وحكمه وقدره وكل ما كان ، ولم يتمكن سيباي من ملاقاة السلطان إلا على سعسع وهي قرية من قرى الشام. وحضر سيباي قدام السلطان وقدم تقدمة عظيمة لها قدر وقيمة فشكره السلطان على فعله شكرا زائدا بعد أن خلع عليه خلعة عظيمة ولم يخلع على أحد من النواب غيره ، وكل ذلك والسلطان معتقد أن الخيانة إنما هي من سيباي وما قصده إلا أخذ السلطنة كما ذكر المنجم الرمّال على حرف السين ولا يظن ولا يخطر في فكره أن السلطان سليما يقدر يدخل أرض مصر أبدا لما يعلم من شجاعة الجراكسة. وكان السلطان الغوري يعلم أن سيباي بطل من الأبطال ولا يخطر الموت له على بال ، فكان السلطان لا يحسب إلا حسابه ، وأما خير بك فإنه لم يكن السلطان يحسب له حسابا لما يعلم من جبانته وعدم شجاعته فأخذه من لا يكترث به ، وكان سيباي من مماليك السلطان قايتباي وكان رجلا يعد برجال.