القرانصة الأعيان وهم واقفون متجهزون فإن جيشهم انكسر قهرا وما عسى أن تقاتل مائة نفس إلى مائة وثمانين ألف نفس ، ولكنهم مع قلتهم أوقفوا هذا الجيش العظيم ولم يقدر أحد منهم أن يتقدم. ثم عييت هذه الطائفة القليلة من الضرب والقتل [والكثرة تغلب الشجاعة] وما زال الغوري حتى بقي وحده وخلفه حامل السنجق أمير اللواء وكان رجلا كبير السن من مماليك إينال الأجرود ، فمن شدة ما حصل للغوري من القهر وقع على الأرض مغشيا عليه.
ذكر قطع رأس السلطان قانصوه الغوري
قال المحلي : فلما وقع السلطان الغوري على الأرض رمى حامل السنجق الرمح وأخذ القماش المطرز وكان يساوي ثلاثة آلاف ذهب فقال الأمير علان لأقباي الطويل : ما ترى في أمر السلطان؟ قال له : قل ما عندك ، قال : إن نحن تركناه ورحنا وخليناه يأتي الأعداء فيقتلونه ويأخذون رأسه يطوفون بها جميع بلاد الروم ، قال : فما الرأي؟ قال : الرأي أن نقطع رأسه ونرمي بها في هذا الجب والجثة بلا رأس لا يعرفها أحد ، قال : نعم الرأي ، فأمر الأمير علان عبدا من عبيده فقطع رأس السلطان الغوري ورمى بها في جب هناك ، ثم ولى الأمير علان إلى ناحية حلب.
وأما الأمير أقباي الطويل فإنه طلب ناحية العجم وأقام بها إلى أن مات. وأما الأمراء الذين التهوا بالقتال مع الروم فإنهم فاض عليهم بحر المنايا وزاد وابتلوا بعساكر ملأت السهل والواد. واجتمع عليهم ذلك الجمع الكثير وخاضت خيولهم في بطون القتلى فقاتلوا قتال من قطع من الدنيا أمله ، فقصدهم الرماة بالبندق فوقع الأمير سيباي والأمير سودون العجمي. وأما الأمير قانصوه ابن السلطان جركس فإنه ما زال يضرب بالسيف حتى خرق عسكر الروم وطلع من ذلك الجانب على حمية ، فلما خلص شم الهواء وردت روحه إليه بعد أن كان يئس من الحياة. والف حسنة لرجل خرج من بين ألوف ولكن إذا جاء أمر الله قضى بالحق ولا راد لما قضاه الله ، فإنه وقع في نهر هناك ينبت فيه عرق السوس فالتفت على قوائم الفرس فغرق وكانت عسكر الروم تنظر إليه على بعد ، فلم رأوه في هذه الحالة طمعوا فيه وأحاطوا به فقبضوه وعروه من الملبس وقطعوه بسيوفهم.