سنة ١٢٣٣
ذكر ولاية خورشيد باشا
تقدم أن جبّار زاده جلال الدين باشا احتال على قبض ثمانية عشر من رؤساء الأنجكارية في حلب وأعدمهم وبهذه الصورة سكنت الفتن هنا مدة. قال جودت باشا : إلا أنه لم تمض مدة إلا وعادت الفتن إلى الظهور وعاد الأشرار إلى ما كانوا عليه وانضم إليهم بعض الفارين من وجه الدولة ، فرؤي أن من الواجب تأديبهم واستئصال شأفة الفساد ، إلا أن السبب الذي دعا هؤلاء الأشرار إلى إثارة الفتن والقيام في وجه الحكومة كان هو سوء إدارة من كان في دائرة خورشيد باشا وسيىء أحوالهم. وبقدر ما كان خورشيد باشا صالحا عابدا كان مأمورو معيته أراذل أسافل. ورئيس دائرته سليمان بك كان غريبا في أحواله وأطواره بحيث كانت الخمرة لا ترتفع من رأسه ليلا ونهارا ، وكان منهمكا تمام الانهماك في شهواته السافلة ، وكانت حالته في السكر تصل به إلى حد الجنون ، وكان في بعض الليالي يؤدي به الحال إلى إشهار السلاح على من حضره. وصادف أنه تكدر من سائسه نهارا فدخل الإصطبل ليلا ففرّ من كان هناك من السوّاس فأخذ في تقطيع حزامات الخيل وصار يضرب فيها ، فخرجت الخيول ليلا وصارت تتجول في الأزقة وحصل للأهلين من الرعب ما لا مزيد عليه ولم يعلموا السبب إلى اليوم الثاني ، وكان جميع من كان مع خورشيد باشا على هذا المنوال إلا أنه كان لا يظن بأتباعه إلا خيرا نظرا لصلاحه حتى إنه ما كان ليظن أن معتمده على هذه الصورة ولا كان يظن أن إمامه أيضا كان على شاكلة هؤلاء وسائرا سيرتهم.
فكانت أحوال رجال حكومة خورشيد باشا تؤثر على إحساسات أهالي حلب وتجعل حب الانتقام ينمو في قلوبهم شيئا فشيئا. ولما طفح الكيل وبلغ السيل الزبى توجه عصبة منهم إلى بيت سليمان بك المذكور وأعدموه في منزله وهجموا أيضا على دور بقية أمراء خورشيد باشا ودار إمامه أيضا وأخذوا كل ما وجدوه من آلات الفسق والفجور وساقوا أمامهم هؤلاء الأمراء وشهروهم في الأزقة وأمامهم ذلك الإمام إلى أن وصلوا بهم إلى المحكمة وقالوا للقاضي : يا قاضي حسبك أن تعلم الآستانة بهذا فقط.
ثم إن ذلك الإمام استعمل أنواع المخادعات والحيل وأقنع خورشيد باشا أن هؤلاء قصدهم إثارة الفتن والعصيان على الدولة ، فانقلب الأمر وانعكست القضية على هؤلاء