بشرب الدخان فرفع من القهاوي والأسواق وصار حاكمه يقبض على من يراه عنده من الأطواق ، فقيل إنه كان يعتقد فيه التحريم ، وقيل إن فعله هذا لا ينشأ عن تحريم ولا تحليل وإنما لما تظاهر الناس بشربه في الشوارع وتعاطاه الأراذل والأسافل ولا يرفعونه إذا مرّ عليهم شريف أو عالم أو فاضل فأمر بعدم التظاهر بشربه لذلك.
وللعلماء في الدخان أقاويل بين تحريم وتحليل ويلزم القائلين بالتحريم تفسيق المسلمين بالتعميم حيث كانوا إما شاربا أو في بيته من يشرب أو مشاهدا ، فما خرج أحد من الثلاث عن واحد فحينئذ لا يوجد في المسلمين عدل خصوصا والعدالة شرط في شهود النكاح ، ويترتب على هذا أن الأنكحة على بعض المذاهب سفاح وهذا حرج عظيم وخطب جسيم مع أن القائلين بالتحريم لا مستند لهم صريح من الكتاب والسنة وإنما ذلك بمحض الأقيسة المجهولة المحتملة مع أن البلوى به عامة بين الأشراف والعلماء والعامة.
وبعض العلماء توقف عن الإفتاء فيه بتحريم أو تحليل وكتب في جواب سئال سئل فيه عنه بقول الله تعالى (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ).
أقول : إنا وإن لم نقل بحرمته نظرا لما يلزم من القول بذلك ما قاله العلامة الدحلاني لكن لم يبق شك ولا ريب في ضرره الجسيم للأجسام حالا أو مآلا ، وأطباء العصر في كل قطر قد أجمعوا على ذلك ، والضرر كما قال الفقهاء يجب أن يزال ولو قديما واستعمال الشدة في منعه وإزالته كما فعله السلطان مراد لا تجدي شيئا ، وأرى أن خير مقاوم له هو المدرسة ومنابر الجوامع والكنائس وكراسي الوعاظ وإن طال الزمن بشرط أن يكون الناهي عنه والمبين لمضاره غير مبتلى به عملا بما قيل : (لا تنه عن خلق وتأتي مثله).
والحمد لله الذي عافانا وحمانا من تناوله من حين نشأتنا ولله المنة والفضل.
سنة ١٠٤٥
قال مصطفى نعيما : في هذه السنة عيّن واليا على حلب ابن أمير كونه يوسف باشا وبقي في الولاية شهرين ثم عزل وأعيد إليها أحمد باشا السابق.