مشحوت من المال وأن سوار الباغي قد استطال على البلاد وقتل العباد ولابد من خروج تجريدة عسكر لتحمي بلاد المسلمين ، وأن العسكر يحتاج إلى نفقة وليس في بيت المال شيء ، وأن كثيرا من الناس معهم زيادة في أرزاقهم ووظائفهم ، وأن الأوقاف قد كثرت على الجوامع والمساجد ، وأن قصد السلطان أن يبقي لهم ما يقوم بالشعائر فقط ويدخل الفائض إلى الذخيرة ، فمال الخليفة وقضاة الجاه إلى شيء من معنى الإجابة إلى ذلك.
فبينما هم على ذلك إذ حضر شيخ الإسلام أمين الدين الأقصرائي الحنفي وكان قد تأخر عن الحضور فأرسل خلفه السلطان ، فلما حضر أعاد عليه كاتب السر الكلام الذي وقع أول المجلس.
فلما سمع هذا الكلام أنكره غاية الإنكار وقال في الملأ العام من ذلك المجلس : لا يحل للسلطان أن يأخذ أموال الناس إلا بوجه شرعي ، وإذا نفد جميع ما في بيت المال ينظر إلى ما في أيدي الأمراء والجند وحلي النساء فيأخذ منه ما يحتاج إليه وإذا لم يوف بالحاجة في ذلك ينظر في المهم إن كان ضروريا في المنع عن المسلمين حل ذلك بشرائط متعذرة ، وهذا هو دين الله تعالى ، إن سمعت آجرك الله على ذلك ، وإن لم تسمع فافعل ما شئت ، فإنا نخشى من الله تعالى أن يسألنا يوم القيامة ويقول لنا لم لا نهيتموه عن ذلك وأوضحتم له الحق ، ولكن السلطان إن أراد أن يفعل شيئا يخالف الشرع فلا يجمعنا ولكن بدعوة فقير صادق يكفيكم الله مؤنة هذا الأمر كله. ثم قام فانجبه منه السلطان وانفض المجلس من غير طائل وكثر القيل والقال ، وشكر الأمراء الشيخ أمين الدين على ذلك وغالب الناس وكثر الدعاء له وعد هذا المجلس من النوادر.
ثم إن السلطان نادى للجند بالعرض وأخذ في أسباب خروج تجريدة وهي التجريدة الثانية.
سنة ٨٧٣
ذكر تولية حلب للأمير إينال الأشقر
قال ابن إياس : في هذه السنة قرر إينال الأشقر في نيابة حلب عوضا عن برد بك البجمقدار بحكم انتقاله إلى نيابة الشام عوضا عن إزبك بن ططخ بحكم انتقاله إلى الأتابكية.