وأدرك محمد علي ذلك فعزم على اختباره والتعويل على تنفيذ مقاصده بالقوة فبعث إلى الأمير بشير أن يبعث إليه بجانب من الأخشاب التي يحتاج إليها في بناء المراكب ، فباشر الأمير إجابة طلبه فمنعه عبد الله باشا ، فشق ذلك على محمد علي واعتبره بظاهر الأمر مخالفا لأوامر الدولة العلية ، لأن تلك المراكب إنما هي للحكومة ، فجرد لمقاصته حملة تحت قيادة ولده إبراهيم باشا لحصار عكا. ثم قال : وبعد أن فتح إبراهيم باشا عكا وقبض على عبد الله باشا وبعث به إلى الإسكندرية سار إلى دمشق وفتحها.
وهنا ذكر صاحب المناقب الإبراهيمية في الباب الرابع والخامس والسادس تفاصيل الحروب التي كانت بينه وبين عبد الله باشا إلى أن استولى على عكا ثم على بقية السواحل ثم على جبل لبنان ثم على دمشق ، إلى أن قال في الباب السابع :
وكانت الدولة العلية لما بلغها قدوم إبراهيم باشا إلى سورية وافتتاحه المواني البحرية عينت السردار حسين باشا وأرسلت معه ستين ألفا من العساكر ومائة وستين مدفعا ، وعند وصوله إلى أنطاكية أرسل أمامه طليعة من العساكر إلى حمص بقيادة محمد باشا البيرقدار (والي حلب المتقدم الذكر) وعند وصوله إليها عسكر بجنده حواليها ، ولما بلغ إبراهيم باشا وصول هذا الجيش وهو بدمشق استعد لاستقباله وكتب إلى عباس باشا يأمره بالمسير من بعلبك إلى القصير ، وكتب إلى حسن المناسترلي وكان في طرابلس الشام يأمره بالمجيء إلى القصير ، ثم سار هو بمن معه من العساكر فالتقى بهذين في المكان المتقدم ، ثم ساروا جميعا منه إلى حمص.
ذكر انكسار العساكر العثمانية بالقرب من حمص
قال في المناقب : كان محمد باشا والي حلب ومن معه من الباشاوات لما بلغهم قدوم إبراهيم باشا إليهم أخذوا في الاستعداد ، وسار محمد باشا بمن معه من العساكر فالتقى الجيشان في حمص ، وكانت العساكر العثمانية ثلاثين ألفا ومعها أربعون مدفعا والعساكر المصرية عشرين ألفا ومعها أربعة وأربعون مدفعا ، ولما دارت رحى الحرب لم تثبت العساكر العثمانية أمام العساكر المصرية ولاذت بالفرار بعد أن قتل منها نحو أربعة آلاف ومن العساكر المصرية خمسمائة ، وكان سبب الانتصار مهارة إبراهيم باشا في إدارة حركات الحرب.