حدث بين محمد علي باشا أبي إبراهيم باشا المصري وبين عبد الله باشا والي عكا نفور وخصام ، وكان عبد الله باشا لا يركن إليه في أمر من الأمور عديم الوفاء منقلب الآراء لا يرعى عهدا ولا يحفظ ودا ، وكان أبوه من مماليك أحمد باشا الجزار يقال له علي آغا الخزندار ، فساعدته يد العناية حتى تمكن من الولاية وجعل دأبه تحصين عكا بالأبراج والأسوار وجمع المال ، وكان قد استولى عليه البطش واستخفه البطر وطيب العيش حتى حاد عن الطريق وأشهر العصيان على الدولة العثمانية أملا بالاستقلال وطمعا في الأموال ، ولما بلغ السلطان محمود خان ذلك أرسل عسكرا لقتاله تحت راية درويش باشا والي دمشق ، فحاصره زمنا طويلا ، ولما طالت عليه الحال استدعى الأمير بشير الشهابي (حاكم جبل لبنان) وأرسله إلى الديار المصرية ليستميل له خاطر الحضرة الخديوية لإصلاح أمره مع الدولة العثمانية ، وكان محمد علي له وجاهة كبيرة ومنزلة عند الدولة رفيعة خطيرة فلبى دعوته وكتب في شأنه إلى القسطنطينية واسترضى الدولة عنه بموجب إرادة سنية فرفعت عنه الحصار ، غير أن عبد الله باشا كبرت نفسه بعد ذلك وجحد فضل محمد علي باشا وإحسانه إليه وسلك معه سلوك اللئام وتكلم في حقه بما لا يليق من الكلام ، فلما بلغ محمد علي باشا هذا الخبر كاتب الحضرة السلطانية يعلمه بهذا الشان ويلتمس من جلالته خلع عبد الله من ولايته ، فلم يكترث بخطابه ولا أجابه على كتابه ، فاستعظم ذلك الأمر ولم يعد يمكنه الاصطبار على ذلك الذل والعار ، فجهز ولده إبراهيم باشا وأمره أن يسير لحرب الديار الشامية وأردفه بالعمارة البحرية وأصحبه بثلاثين ألفا من العساكر ، وكان خروجه من الإسكندرية في غرة جمادى الأولى سنة ١٢٤٧.
قال جرجي زيدان في كتابه مشاهير الشرق في ترجمة الأمير بشير الشهابي حاكم جبل لبنان : وفي سنة ١٨٣١ م قدم المغفور له إبراهيم باشا بن محمد علي باشا لحصار عكا. والسبب الحقيقي لقدومه يكاد يكون مجهولا لأن المؤرخين قلما أفصحوا عن حقيقة ، ولكنا قد عرفناه ممن عاصر الأمير (بشير الشهابي) وكان من حاشيته وسمع حقيقة الخبر من فيه قال : إن محمد علي باشا لما قدم إليه الأمير بشأن العفو عن عبد الله باشا تداولا في أمور كثيرة تعود إلى التعاضد والتعاون عند الحاجة ، وكان محمد علي باشا عازما على توسيع نطاق حكمه بافتتاح سورية ، وكان يظن صنعه الجميل مع عبد الله باشا والأمير يكفي لبلوغ أمانيه ، ولكنه رأى من عبد الله باشا اعوجاجا عن غرضه ، والغالب أن عبد الله باشا كان طامعا بمثل مطامع محمد علي ، فلما علم بما نواه هذا صار يحاذره.