والعشرين من حزيران ، فنزل على شاطىء نهر بقرب معسكر الأتراك ، ولما استقر به المكان أصدر أوامره إلى قواد العساكر أن يكونوا عند الصباح مستعدين للحرب ، ثم استدعى رجلا يعتمد عليه يقال له سليمان فأمره أن يسير إلى جيش الأتراك ويتجسس أحوالهم وينظر بعين فراسته أمورهم وأوامرهم ، فسار هذا حتى وصل إلى مضاربهم ثم قصد الصيوان الكبير الذي برسم الوزير ، وبعد أن اختبر الأحوال رجع وأخبره بما شاهد ، ومما قاله له : إني رأيت حافظ باشا في الصيوان وهو جالس على الديوان كانه ملك أو سلطان ومن حوله القواد والأعيان وفي يده ماسورة من الياسمين عليها طقم من الكهرباء الفاخر مرصع بنفيس الجواهر ، وبينما أنا أراقب أحوالهم إذ أحضرت الخدام مائدة الطعام فكانت عدة أنواع فاخرة أكثرها من لحوم الدجاج والضان والحلويات المختلفة الألوان ، ثم قال له : يا سليمان أما وجدت بينهم وزيرا أو قائدا كبيرا يفترش الأرض سريرا وينام تحت ظل الشمس والقمر ويسند رأسه إلى حجر ولا يبالي بالمشقة والخطر ولا بأنواع الطعام المفتخر؟ فقال له : وحق الواحد الأحد إني ما وجدت أحدا على هذه الصفة وما هم إلا كالعرائس يتقلبون في صدور المجالس في أفخر الحلل والملابس ، على صدورهم النياشين المرصعة وبين أيديهم الأطعمة المتنوعة ، فلما زاد كلامه زاد ضحكه وابتسامه وقال له : إذا كانوا على ما تقول فسوف نبلغ منهم المأمول (إلى أن قال) :
وفي اليوم الثاني اشتعلت نيران الحرب ودام القتال نحو ثماني ساعات ونصف كانت عساكر الأتراك قد كلت فتأخرت إلى الوراء طالبة مرعش بعد أن قتل منها نحو ستة آلاف ، وأسر حافظ باشا قائد تلك الحملة واستحوذ المصريون على أثقالها وذخائرها ، ورجع إبراهيم باشا ظافرا منصورا ، وانتهى إلى الآستانة خبر هذا الانكسار بعد ثمانية أيام من وفاة السلطان محمود وجلوس ولده السلطان عبد المجيد.
سنة ١٢٥٦
خروج إبراهيم باشا من البلاد السورية
قال في المناقب : بعد أن انتصر إبراهيم باشا في حرب نزّب حذرت الدول الإفرنجية أن يفتتح القسطنطينية ويجلس على تخت السلطنة العثمانية ، فاتحدت الدولة الإنكليزية مع الدولة الروسية والنمساوية والبروسيانية على إخراجه من هذه الديار وعقدوا اجتماعا في لندن