وأما الكوسا محمد آغا وكتخداه وكاتبه فإنهم وصلوا إلى قسطنطينية وقابل الكوسا الحضرة السلطانية وعدد له سابق خدماته للدولة وما كان منه حينما نصب السلطان وذكر مجيئه ذلك الحين إلى حلب وتهدئته لأمورها ، إلا أن ذلك لم يجده شيا وبرز الأمر بقتله لقتله كثيرا من الناس الأبرياء في حلب وغيرها فقتل ولقي جزاء أعماله.
شيء من أحوال سلطان ذلك العصر السلطان مرادخان
استوى السلطان المذكور على عرش السلطنة العثمانية سنة اثنتين وثلاثين وألف وعمره يومئذ إحدى عشرة سنة وسبعة أشهر ، وتوفي سنة تسع وأربعين وألف فتكون مدة سلطنته سبع عشرة سنة.
قال في خلاصة الأثر في ترجمته : وحكى بعض المتقربين إلى السلطان مراد أنه خرج ليلة من الحرم وما عليه إلا ثياب المنام ، قال : وكانت ليلة شديدة الثلج وأمر بفتح باب السراي السلطاني وخرج منه فتسارع الخدمة إليه وكنت أنا من جملتهم ، فصحبت معي فروتين من فرى السلطان وتبعناه فانتهى إلى البحر وطلب زورقا وركب وركبنا وما زال إلى أن أشار إلى الملاح بأن ينحو إلى أسكدار ، ثم خرج منها إلى التربة المشهورة في طرفها الآخذ إلى أناطولي فاستقر تحت شجرة ثمة ووقفنا معاشر الخدمة وكنا نشاهد منه غاية التضجر حتى إن بخار الحرارة ليتصعد من وجهه لشدة ما عنده من الانزعاج ، ثم بعد حصة أشار إليّ وقال : انظر هذين الشبحين اللذين لاحا من بعيد أدركهما وسلهما من أين أقبلا ، قال : فأدركتهما وسألتهما فقالا : مقدمنا من حلب ، فقلت لهما : السلطان طلب أن يراكما وهو جالس هناك ، وأشرت إليه فأسرعا إلى أن وقفا قدامه وقبلا الأرض ثم قال لهما : ما الذي جاء بكما؟ فقالا : معنا رؤوس أقوام من الطغاة قتلوا بحلب ، فأمرهما بإخراج الرؤوس ، فحين وقع بصره عليها انصرف عنه ما كان يجد من التلهب وطلب فروا فوضعنا عليه ما كان معنا من فرى وغيرها وهو يشتكي البرد ، ثم نهض وأسرع إلى السراي التي بأسكدار وقال : إني مذ أويت إلى الفراش في ليلتي هذه أخذتني الفكرة في أمر هؤلاء المقتولين وتحصيلهم فلم أملك نفسي أن نهضت من مرقدي وجرى ما جرى اه.
أقول : ولعل هذه الرؤوس هي رؤوس مثيري فتنة اليكيجرية في هذه السنة وقد تقدم أن الوالي أحمد باشا تتبعهم وقبض عليهم وآخر الأمر أعدمهم ، إذ لم نطلع على فتنة أثناء سلطنة السلطان مراد غير الفتنة التي قدمنا ذكرها.