واهتم السلطان مراد أشد الاهتمام في منع تعاطي الدخان وإزالته من جميع ممالكه وشدد النكير على من يتناوله ، لكنما كان بقدر ما يشدد كان الناس يتهافتون على شربه عملا بما قيل (المرء حريص على ما منع). وقد اشتهر أن السلطان مراد قتل كثيرا من الناس الذين كانوا يتعاطون شرب الدخان ، ويحكى عنه أنه كان يتجول خفية في شوارع الآستانة فمن وجده وليس معه مصباح قتله في الحال ، وربما كان يأتي إلى بعض المنازل ليلا ونهارا فمن وجده يتعاطى شرب الدخان قتله ، ووصل في الزجر عن الدخان إلى درجة أن الناس لا يتجاسرون على شربه لا ليلا ولا نهارا إلا إذا خرج أحدهم إلى الصحراء. ومن جملة ما يحكى عنه في هذا الباب أن ابن إمام محلة خواجا باشا وهو رجل شاب في مقتبل العمر تأخر ليلة في الجامع ولقرب بيته من الجامع لم يستصحب معه مصباحا فخرج من الجامع قاصدا بيته ، فصادف خروجه مرور السلطان مراد من هذا المكان فقال له : أما بلغك أوامري؟ فتلعثم الإمام في الكلام وقتله السلطان مراد ، وكان كل يوم يرى في بعض أزقة قسطنطينية عدة من القتلى ، واتصل بمسامع السلطان مراد أن في أدرنة قهوة لا زالت مفتحة الأبواب يتعاطى فيها الدخان ، فأرسل بستانجي باشا وأصحبه بأوامره المتضمنة خرب القهوة وصلب صاحبها ، فجاء هذا إلى أدرنة ونفذ الأمر وقتل غير واحد من الناس الذين لم يمتثلوا الأمر السلطاني القاضي بمنع تعاطي الدخان.
والسلطان مراد ناله كلفة عظيمة ومشقة شديدة في مناهضة شاربي الدخان ، وما كان قصده إظهار سطوته وتأييد سلطنته بل كان قصده ردع هؤلاء الأسافل وتأديب هؤلاء الأشقياء الذين انغمسوا في مستنكر الأمور ومستقبح الأخلاق وإرجاعهم إلى الخطة المثلى وقطع دابر الفساد والفجور الذي انتشر بين العامة ، ولذلك كان أهل العقول وذوو الأخلاق الفاضلة وأرباب الاطلاع يحبذون أعمال السلطان ويرون أنها في محلها اه.
وقال العلامة المحبي في ترجمة السلطان المذكور : ومن أعماله تبطيله القهوات في جميع ممالكه والمنع عن شرب التبغ بالتأكيدات البليغة وله في ذلك التحريض الذي ما وقع في عهد ملك أبدا اه.
رأي العلامة الدحلاني في شرب الدخان
قال في خلاصة الكلام في الكلام على إمارة الشريف مسعود أمير مكة في أواسط القرن الثاني عشر : ومما كان في دولة مولانا الشريف مسعود أنه منع الناس من التظاهر