أشأم الأزمنة ، وكثيرا ما كنا نسمع من أفواه الطاعنين في السن يقولون لنا : إنكم الآن في مهد سيدنا عيسى بالنسبة إلى ما كان في زمن ابن جبان وخورشيد باشا.
وتتابع تلك الفتن بين الأنكجارية والسادة وظلم هؤلاء الولاة عطل دولاب التجارة وأوقف سير الصناعة وتقدم الزراعة ، فنضبت لذلك منابع الثروة واستولى الفقر والفاقة على البلاد ، وأتت بعد ذلك الزلزلة التي كانت سنة ١٢٣٧ وتابع ذلك الفتن التي حصلت في زمن احتلال إبراهيم باشا المصري لهذه البلاد فأثرت تلك العوامل تأثيرا كبيرا في الثروة والعمران وتفرق كثير من الناس في البلاد وتخربت أماكن كثيرة داخل الشهباء وخارجها. ولاستيلاء الفقر ونضوب منابع الثروة ومهاجرة الكثيرين قلت النفوس ، وكنت تجد معظم الحوانيت في الأسواق مغلقة ، ويقدر الخبيرون أن نفوس حلب بعد جلاء إبراهيم باشا عن هذه البلاد تقدر بخمسة وسبعين إلى ثمانين ألفا ، وقد علمت في حوادث سنة ١٠٩٤ أن شوفاديه دارفيو قدرها ب ٢٨٠ ألفا فلله الأمر من قبل ومن بعد.
زيادة بيان في مظالم ابن جبّان
كتب إلينا طاهر آغا المكانسي ابن محمد آغا نقلا عن والده الذي شاهد أحوال ابن جبان وقتل إبراهيم آغا الحربلي وأغوات الأنجكارية فآثرنا إثباتها لما فيها من التفاصيل ، ومنها يتجلى لنا ما كان عليه ابن جبان من الظلم والجور وما كان عليه الحال في ذلك الزمن قال : لما استقرت أقدام ابن جبان هنا عين اثنين من طرفه يتجسسان على الناس فصارا يقدمان له في كل يوم ورقة تتضمن اسم من ينبغي مصادرته ويقولان إن هذا يستحق جرمين ومقدار الجرم أربعون كيسا ، فكان ابن جبان يرسل من طرفه اثنين حاملين للبلطة (نوع من السلاح) فيأتيان بمن أمرا بإحضاره فيزج في الحبس في القلعة ويوضع في رقبته زنجير له شوك ثم يطالب بما قرر عليه وهو جرم أو جرمان أو أكثر ، فإذا أحضر ذلك أطلق سبيله ومن لم يعط الجرم في خلال ثلاثة أيام يخنق ليلا ويرمى تجاه باب القلعة ، وكلما خنقوا واحدا أطلقوا مدفعا فكان يعلم عدد المخنوقين في هذه الليلة من عدد المدافع ، وكانوا لا يمكنون أهالي المخنوق من نقل جثته بل يضعون عسكرا يحافظون تلك الجثث الملقاة في الخندق ، وربما أتى بعض أهالي المخنوقين ليلا وحبا على ركبتيه إلى أن يصل إلى قريبه فيحمله أو يحمل عضوا منه إذا كانت أوصاله مقطعة ويصعد به خفية ويذهب فيدفنه. وكان الوالي إذا أراد النزول إلى السوق أمر فزينت له الأسواق نهارا ، فينزل ومعه البلطجية والعساكر عن يمينه وشماله فيدور