أما محمد باشا فإنه قصد حلب وتبعه أكثر القوّاد والوزراء ، وأما محمد باشا البيرقدار فإنه بعد انهزامه قصد حسين باشا السردار ليعلمه بتلك الكسرة ويطلب منه النجدة واستحوذ إبراهيم باشا على مهمات الجيش العثماني وذخائره وفرق منها على ضبّاطه وعساكره واستولى على حمص وحماة ، وكان قد وقع في يده ألفان من الأسارى بين عساكر نظامية وأرناؤوط ، فعاملهم بالرفق والإحسان وأدخلهم بين جنوده المصرية وعيّن لكل واحد منهم راتبا وكتب إلى أبيه بمصر يخبره بهذا النصر.
ذكر وصول حسين باشا السردار إلى حلب
وامتناع الحلبيين من تقديم عسكر له
قال في المناقب ما خلاصته : كان حسين باشا السردار قد خرج من أنطاكية طالبا حمص وحماة ، فبلغه وهو في أثناء الطريق ما حل بعسكره ، فاضطرب لذلك فؤاده وارتد راجعا إلى الوراء ليجمع شمل العساكر المنهزمة ويأخذ لنفسه الاحتياطات اللازمة ، ولما أتاه محمد باشا البيرقدار بمن معه من المنهزمين وبخه ورفسه برجله ونزع عنه سيفه وطرده من أمامه ووكل به بعض الخدم ، ثم أخذ في السير إلى أن وصل إلى جسر الحديد وهو مكان يبعد عن أنطاكية أربع ساعات وجمع ما تشتت من الجنود ثم ارتحل قاصدا حلب ، ولما وصلها التقى بواليها محمد باشا فأعلمه بواقعة الحال وهزيمة العسكر ، فازداد حنقا على حنق وقلقا على قلق ، وعند وصوله إلى حلب عقد مجلسا حربيا مع الأعيان والعلماء ، وبعد جلسة طويلة ومذاكرة مستطيلة طلب منهم أن يمدوه بالذخائر والعدد ويقدموا له عسكرا من أبناء البلد ، فلم يوافقوه على ذلك لأن نفوسهم كانت غير مائلة إليه ولا مؤملة حصول النصر على يديه ، بل كانوا يحاولون الخروج من قبضة الدولة العلية والدخول تحت طاعة الحكومة المصرية ، فلما يئس من النجدة والمعونة عزم على المسير إلى الإسكندرونة ، ليقيم فيها الحواجز والقلاع ويجعلها حصن الوقاية والدفاع.
ومما يستحق الاعتبار أن هذا السردار كان قد اجتمع مع قنصل فرانسا في ذلك النهار ، فأخذ يحادثه في الكلام ويسأله عن حواصل بر الشام وعن أسعار الحرير والحنطة والشعير وغير ذلك من المسائل التي ليس تحتها طائل ، وبعد أن تناول معه الطعام خرج إلى المضارب والخيام وبات تلك الليلة في المعسكر ، وعند طلوع النهار بلغته الأخبار بقرب