الوزير فأشار إلى النساء بالكن في مكان معلوم وفرق الرجال على أرباب المناصب وطلع إلى القلعة ورأى ما بها من أموال ابن جانبولاذ وتحفه الغزيرة فضبط ذلك كله لبيت المال ، ثم شرع يتجسس في حلب على الأشقياء وأتباعهم فقتل جملة من الأتباع ، وهجم الشتاء ففرق العساكر في الأطراف وشتى هو في حلب.
وأما ابن جانبولاذ فإنه خرج من ملطية وسار إلى الطويل العاصي في بلاد أناطولي وأراد أن يتحد معه فأرسل إليه الطويل يقول له : أنت بالغت في العصيان وأنا وإن كنت مسمى باسم عاص لكني ما وصلت في العصيان إلى رتبتك ، فرحل عنه بعد ثلاثة أيام وسار إلى العاصي المعروف بقرا سعيد ومعه ابن قلندر ، ولما وصل إلى جمعية هؤلاء العصاة تلقوه وعظموه وحسنوا فعلته مع العساكر السلطانية وأرادوا أن يجعلوه عليهم رئيسا فشرط عليهم شروطا فما قبلوها ، فاطمأن تلك الليلة إلى أن هجم الليل وأخذ عمه حيدر وابن عمه محمدا وخرج ولم يزل سائرا حتى دخل بروسه مع الليل وتوجه إلى حاكمها وأخبره بنفسه فتحير منه ، ولما تحقق ذلك قال له : ما سبب وقوعك؟ فقال : ضجرت من العصيان وها أنا ذاهب إلى الملك فأرسلني إليه في البحر ، فأرسله من طريق البحر ، فلما دخل دار السلطنة أعلم به السلطان فقال : أحضروه ، فلما حضر إليه قال له : ما سبب عصيانك؟ فقال له : ما أنا عاص وإنما اجتمعت عليّ فرق الأشقياء وما خلصت منهم إلا بأن ألقيتهم في فم جنودك وفررت إليك فرار المذنبين فإن عفوت فأنت لذلك أهل وإن أخذت فحكمك الأقوى ، فعفا عنه وأعطاه حكومة طمشوار في داخل بلاد الروم (في بلاد المجر) ونجا بذلك ولم يزل على حكومتها إلى أن عرض له أمر أوجب قتاله لرعايا تلك الديار. ولزم أنه انحصر في بعض القلاع في بلاد الروم فعرض أمره إلى باب السلطنة الأحمدية فبرز الأمر بقتله وعدم إخراجه من تلك القلعة ، فقتل وأرسل رأسه إلى باب السلطنة ، وكان ذلك في حدود العشرين وألف اه.
أقول : وإلى مراد باشا ينسب الجسر الواقع في قضاء الريحانية بالقرب من بحيرة السمك المعروفة الآن بالكوله ، ولعله هو الذي عمره أو أصلحه فنسب إليه.
سنة ١٠١٦
بعد أن استولى مراد باشا على حلب ولى عليها ديشنلك حسين باشا كما تقدم.