وكانت حماة وما وراءها من الجانب الشمالي إلى آدنة في تعلق ابن جانبولاذ وانقطعت أحكام السلطنة عن البلاد المذكورة نحو سنتين ووقعت الوحشة وانقطعت الطرقات إلى أن ولي الوزارة العظمى مراد باشا وكان سافر في ابتداء وزراته إلى الروم وأصلح ما بين السلطان وسلاطين المجر ، فلما قدم عينه السلطان لدفع ابن جانبولاذ وبقية الخوارج مثل العبد سعيد ومحمد الطويل الخارجين في نواحي سيواس فقدم الوزير المذكور ومعه من العساكر الرومية ما يزيد على ثلاثمائة ألف ما بين فارس وراجل ، وكان كلما مرّ بقوم من السكبانية الخارجين يقتلهم حتى أزال السكبانية الخارجين ولم يبق سوى العبد سعيد والطويل محمد فإنهما حادا عن طريقه ولم يستطع لحاقهما ووصل إلى آدنة فخلصها من يد جمشيد الخارجي ، ولما انفصل عن جسر المصّيصة إلى هذا الجانب تيقن ابن جانبولاذ أنه قاصده فجمع جموعه المتفرقة في البلاد حتى اجتمع عنده أربعون ألفا وخرج من حلب والوزير في بلاد مرعش (هو ذو الفقار باشا كما تقدم) وجزم بمقابلته ، وكان الوزير في أثناء ذلك يراسله بالكلمات الطيبة طمعا في إصلاح أمره فلم يزدد إلا عتوا ، ولما تلاقى الفريقان برز عسكر ابن جانبولاذ إلى المقاتلة يومين ولم يظهر لأحد الفئتين غلبة على الأخرى ، ففي اليوم الثالث التحم القتال حتى كاد أن يكون عسكر البغاة غالبا ، وكان من أعاجيب الأمر أن وزيرا يقال له حسن باشا الترياقي وكان من جملة العسكر السلطاني رتب عسكر السلطان وقال : قاتلوا البغاة إلى وقت الظهر فإذا حكم وقت الظهر فافترقوا فرقتين فرقة منكم تذهب لجانب اليمين وأخرى تذهب لجهة الشمال واجعلوا عرصة القتال خالية للأعداء وحدهم ، وقد أخفى المدافع الكبيرة في مقابلة العدو وملأها بالبارود ، فلما افترق عسكر السلطان ظن حزب ابن جانبولاذ أنهم كسروا فبالغوا في اتباع عسكر السلطان إلى أن كادوا يخالطونهم ، فلما قربوا وخلت لهم عرصة القتال أطلقوا عليهم المدافع ولحقوهم بالسيوف إلى أن أزاحوهم عن خيامهم وكسروهم كسرة شنيعة وقتلوا منهم خلقا كثيرا وهرب ابن جانبولاذ إلى حلب ولم يقربها إلا ليلة واحدة ، فوضع أهله وعياله وذخائره في قلعتها وخرج منها إلى أن ألجأه الهرب إلى ملطية وبقي الوزير يتبع أعوان ابن جانبولاذ فأبادهم قتلا بالسيف وجاء إلى حلب بالجنود فرأى قلعتها في أيدي بعض أعوان البغاة فرام محاصرتها فتحقق من فيها أن كل محصور مأخوذ ، فطلبوا الأمان من الوزير فأنزلهم بأمانه وكانوا نحو ألف رجل وكان معهم نساء ابن جانبولاذ ، وكان من أكابر الجماعة أربعة من رؤوس السكبانية فلما نزلوا بادروا إلى تقبيل ذيل