البلاد الشاسعة ، وبذلك أصبحت مصرا بين الأمصار ومعدودة في مصاف المدن الكبار ، وبقيت على هذا المنوال ما ينيف عن نصف قرن ثم تبدلت الأحوال بتبدل الأزمان سنّة الله في خلقه ولن تجد لسنّة الله تبديلا.
وصف إدلب أيضا
لصديقنا الشيخ كامل الكيّالي (١)
قال : عرفت هذه البلدة قديما وحديثا بحسن المناخ وطيب الهواء وجودة التربة والثمرة واعتدال الطقس في الفصول الأربعة. تسامت بموقعها الطبيعي لانبساطها على مرتفع من الأرض يساوي قمة الجبل الغربي المتصل بالجبل الجنوبي المعروف بجبل ريحا ، ويقال له في القديم جبل السمّاق واشتهر في الأيام الأخيرة بجبل الزاوية ، ويبتعد عنها بمقدار بضع كيلو متر ، وبهذا المقدار يبتعد عنها من شمالها الجبل الأحمر ويقال له الأعلى وجبل الشيخ بركات ، ومن شرقيها جنوبا إلى الشمال سهولها الواسعة الخصبة المتصلة بسهول حلب تقطع القفول مسافة هاته السهول باثنتي عشرة ساعة وهي عبارة عن أربعين كيلومترا تقديرا.
يزيد هواء هذه البلدة طيبا وصفاء احتفاف نطاقها بأشجار الزيتون المباركة المستديرة بها استدارة السوار بالمعصم بحيث يسير الراكب في ظلالها من أي جهة قصدها مسير ساعتين على سير الخيل ، يتخللها كروم العنب والتين المقسم به المضروب به المثل ، ومناظر هاتيك الكروم زاهية زاهرة ، وقلما يوجد منها عاريا عن شجر الزيتون ، ومن ارتقى على نشز عال ونظر إلى هذه البلدة واحتفافها بالزيتون من كافة الأطراف سيما حينما تترنح أغصانه بتمويج الهواء يتخيل له أن هناك بحرا مضطربا قامت في وسطه جزيرة شائقة شاهقة.
كما عرفت هذه البلدة بطيب الهواء عرف أهلها بطيب الأخلاق وحسن المعاشرة وإقراء الضيف ومؤاثرة الغرباء على الأقرباء وبالذكاء والسخاء الفطريين ، وفيها يقول رحال كبير من فضلاء دمشق الشام بعد كلام جميل في وصفها يطول شرحه :
__________________
(١) نشرها في أربعة أعداد في جريدة البريد السوري الحلبية من عدد ١٦١ فصاعدا بتاريخ ٢٣ صفر سنة ١٣٤١ و ١٤ تنشرين الأول سنة ١٩٢٣ بعنوان «لمعة من تاريخ إدلب».