هناك حاصر قلعة آمد أشد المحاصرة ونصب عليها عدة مجانيق فلم يقدر عليها ، فأقام هناك مدة فوقع في العسكر الغلاء فقلق من ذلك ، وكانت العوام تغني وتقول :
في آمد رأينا العونه |
|
في كل خيمة طاحونه |
الغلام نهاره يطحن |
|
والجندي يجيب المونه |
فلما سمع المماليك ثارت أخلاقهم على السلطان وقصدوا الوثوب عليه هناك ، فخشي السلطان الأشرف أن تقع هناك فتنة فلم يقع بينه وبين قرايلك واقعة ولا قابله ، فمشى بعض الأمراء بين قرايلك وبين السلطان بالصلح ، فأرسل إليه السلطان القاضي محب الدين ابن الأشقر نائب كاتب السر فحلف قرايلك أنه لا يتعدى على بلاد السلطان ولا يحصل منه فساد. ثم إن السلطان قصد التوجه نحو الديار المصرية. قيل إن السلطان صرف على هذه التجريدة من المال خمسمائة ألف دينار ولم يظفر بطائل ، فلما رجع عاد قرايلك إلى ما كان عليه من العصيان اه.
وفي تحف الأنباء أن السلطان لما وصل إلى حلب صار له موكب حافل بدخوله إليها ، وخرج إليه النائب والقضاة الأربعة وأرباب الوظائف الذين بحلب ، فلما استقر بها خلع على القاضي محب الدين بن الشحنة وأقره في قضاء حلب. ثم إن السلطان رحل من حلب وتوجه نحو البيرة [بيره جيك] ونزل على آمد فوقع بينه وبين قرايلك وقعة عظيمة (١) وقتل بها جماعة من المماليك السلطانية ، ثم إن السلطان بلغه أن قرايلك نهب ضياع آمد وسار إلى حلب ليأخذها على حين غفلة من السلطان ، فجهز له السلطان عسكرا فأدركوه بالقرب من الفرات فحصل بينهم وقعة على شاطىء الفرات فقتل من العسكر وغرق منهم بالفرات ورجع قرايلك ، ثم إنه أخذ في حصار قلعة آمد ونصب عليها المجانيق فطال الحصار حتى قلق العسكر وقصدوا الوثوب على السلطان [للسبب المتقدم وهو الغلاء] فلما تحقق ذلك رحل من آمد وتوجه نحو حلب ، ولما وصل إليها كان له يوم مشهود.
تولية حلب للأمير قرقماش سنة ٨٣٧
قال أبو ذر : استقر قرقماش الشعباني في كفالة حلب ودخل حلب في العشر الأول من رمضان ، وكان شهما مقداما أمن الناس في أيامه من قطاع الطريق والحرامية ، وكان إذا
__________________
(١) يغلب على الظن أن هذا هو الصحيح لا ما ذكره ابن إياس.