العساكر التي كانت معه فطمعت آماله في أخذ مدينة الرها ويزحف بعد ذلك على ملك العراق كما حسنوا له ذلك ، فزعق النفير وركب العسكر قاطبة ، فبرز بابندر ومن معه من العسكر وتحارب معهم فلم تكن إلا ساعة يسيرة وقد انكسر عسكر مصر قاطبة وبقية العسكر قاطبة ، فأسر الأمير يشبك وهو راكب على ظهر فرسه فأتوا به إلى بابندر وأسروا نائب الشام قانصوه اليحياوي ونائب حلب أزدمر بن مزيد ونائب حماة جانم الجداوي وقتل بردبك قريب السلطان نائب طرابلس وأسر برسباي قرا حاجب الحجاب وتاني بك قرا أحد المقدمين ، وقتل من الأمراء العشراوات ومن أمراء الشام وحلب ما لا يحصى وقتل من العساكر التي كانت مع الأمير يشبك ما لا يحصى عددهم ، وكانت حوافر الخيل لا تطأ إلا على جثث القتلى من العسكر.
ذكر قتل الأمير يشبك الدوادار
وأما الأمير يشبك الدوادار فإنه أقام في الأسر ثلاثة أيام ثم في اليوم الرابع بعث إليه بعبد أسود من عبيد التركمان قطع رأسه تحت الليل وأحضرها بين يدي بابندر ، وقيل إنه حز رأسه بالسيف عدة مرات وهي لا تنقطع فقطعها بسكين صغير وعذبه غاية العذاب ، فلما طلع النهار وجدوا جثته بغير رأس وهي مرمية على قارعة الطريق وعورته مكشوفة حتى ستره بعض الغلمان بحشيش من الأرض ، فلما قطعت رأس الأمير يشبك بعث بها بابندر إلى بلاد العجم إلى يعقوب بن حسن الطويل فكان له يوم مشهود بمدينة ماردين وطافوا بها بلاد العجم وهي على رمح ، وألبسوا رأس الأمير يشبك تخفيفته الكبيرة لما طافوا بها ، وطافوا بالنواب والأمراء الذين أسروهم في قيود وزناجير والمماليك الذين أسروا مشاة ، وأرسل بابندر إلى يعقوب بن حسن جميع ما نهبه من العسكر من مال وخيول وسلاح وقماش وبرك وغير ذلك مما لا يحصى ، وكانت هذه الكسرة على عسكر مصر من الوقائع الغريبة. وكان قتل الأمير يشبك في العشر الأخير من رمضان سنة خمس وثمانين وثمانمائة بالرها وقد ساقه أجله حتى خرج في هذه التجريدة بسبب سيف أمير آل فضل فكانت منيته بالرها. وكان الأمير يشبك باغيا على بابندر ، فإنه قصد محاربته من غير سبب ولا موجب لذلك فكان كما قيل :
من لاعب الثعبان في وكره |
|
يوما فلا يأمن من لسعته |
وقد نهى بعض الحكماء عن التوجه إلى بلاد الشرق من غير حاجة فقال :