التجريدة خرجت إلى سيف وكان الأمر كذلك وراح أكثر الأمراء والعسكر على السيف فكان كما قيل في المعنى :
لا تنطقن بما كرهت فربما |
|
نطق اللسان بحادث سيكون |
وكان الأمير يشبك له غرض تام في السفر إلى ديار بكر وقد سأل السلطان في ذلك بنفسه ، والسبب في ذلك أن الأمير يشبك كان وقع بينه وبين جلبان السلطان بسبب جانم الشريفي (أحد الأمراء اتهم الأمير يشبك في قتله) فصار معهم في تهديد وقصدوا قتله غير ما مرة ، فحسن له بعض الأعاجم أن مملكة حسن الطويل سائبة وأن العسكر مختلف على ابنه يعقوب ومتى حاربتهم لا يقدرون على محاربتك ويسلمونك مملكة العراق قاطبة ، فانصاع الأمير يشبك لهذا الكلام وسأل السلطان السفر بنفسه حتى يجعل الله لكل شيء سببا لنفوذ القضاء والقدر كما قيل في المعنى :
أتطمع من ليلى بوصل وإنما |
|
تقطع أعناق الرجال المطامع |
فلما عين السلطان الأمراء وعرض من بعد ذلك الجند وكتب منهم نحوا من خمسمائة مملوك وأنفق عليه أزيد من مائة ألف دينار وأمرهم بسرعة التجهيز والخروج صحبة الأمير يشبك. وفي ربيع الآخر خرج الأمير يشبك إلى التجريدة من غير طلب لذلك وكان عليه خمدة زائدة فتفاءل الناس أنه لا يعود إلى مصر أبدا وكذا جرى.
وفي شوال جاءت الأخبار من الرها بوقوع كائنة عظيمة طامة قتل فيها الأمير يشبك الدوادار وانكسر العسكر قاطبة وقتل الأكثر منهم ، وكان سبب ذلك أن الأمير يشبك لما دخل إلى حلب كان صحبته نائب الشام ونائب حلب ونائب طرابلس ونائب حماة والعسكر الشامي والحلبي والمصري وغير ذلك من العسكر ، فلما استقر بحلب بلغه أن سيف أمير آل فضل الذي خرج بسببه قد فر وتوجه إلى نواحي الرها ، فقوي عزم الأمير يشبك بأن يعدي من الفرات ويتبع سيفا في أي مكان كان فيه. فعدى من الفرات هو والعساكر فاجتمع معه فوق عشرة آلاف إنسان ، فلما عدى توجه إلى نحو الرها ، وكان المتولي أمرها يومئذ شخص يقال له بابندر أحد نواب يعقوب بك ابن حسن الطويل فحاصر الأمير يشبك مدينة الرها أشد المحاصرة ، فلما أشرف على أخذها أرسل بابندر يتلطف بالأمير يشبك ويقول له : ضمان مسك سيف عليّ ، وأرسل يقول له : ارحل من الرها وأنا أجمع لك من المدينة مالا له صورة ، فأبى الأمير يشبك من ذلك لما رأى من كثرة