ومن غريب الأمر أن هؤلاء المفتشين الذين كانوا يرسلون للتفتيش حينما يأتون ويرون هذه الأموال يداخلهم الجشع والطمع ويأخذون إلى جيوبهم ما تيسر لهم من هذه الأموال على حد قول من قال (كالمستجير من الرمضاء بالنار)!!!
ثم قال : ذكر المؤرخ واصف أفندي في تاريخه أنه قبل خمس وعشرين سنة صادف وهو بحلب رجلا اسمه قبوجي باشا سليم آغا كان قد أتى للتفتيش ، وكان وهو في الآستانة عليه دين كثير ونسج على منوال غيره من المفتشين وتأهل بحلب وأقام بها وصار له عدة أولاد ، فقال واصف أفندي : فسألته عن مدة إقامته بحلب وأسباب ذلك فقال لي : هنا عشر سنين وإني يئست من مناصب الدولة فحضرت إلى هنا وأنا الآن أتناول راتبا يوميا أربعين قرشا أصرف بعضها وأدخر الباقي إلى أن حصل لي مال كثير ، وأنا الآن أتجر بما حصلت عليه من هذه الأموال.
ثم قال جودت باشا : هذه هي حال مباشري الوظائف في حلب ، الكثير منهم بعد أن يستنزف أموال الأمة في حلب يصرفها في الفسق والفجور والشهوات النفسية ويؤدي الحال بهؤلاء إلى الإفلاس ، فمنهم من يموت قهرا ومنهم من يغادر الشهباء إلى غيرها من البلاد ، وبهذه الصورة ولهذه الأسباب كانت أموال الدولة تتبعثر وتذهب ضياعا. وتلافيا لهذا الخلل ولبعض ما فات افتكر الدفتردار حسن أفندي في الآستانة أن يجعل وظيفة التحصيل على حدة ووظيفة الكمرك على حدة ، وصار يعطي وظيفة الكمرك على طريق الضمان وأموال الولايات ترسل رأسا إلى دار السلطنة ، وبهذه الصورة أصلح بعض الخلل في مالية الدولة وفي وظيفة تحصيل الأموال اه.
سنة ١٢٠١
عزل مصطفى باشا وتولية حلب لمير عبد الله باشا
في الثاني من المحرم انعزل مصطفى باشا ، وفي ٢٠ منه رحل من حلب.
قال الطرابلسي : وفي ١٥ صفر عزل السيد علي باشا جاويش ، ففي اليوم الثاني ولى هاربا تحت الليل هو وجاويشان ، فثاني يوم صار التفتيش عليهم الأمور كان أوقعها في وقوفه عند جلبي أفندي ، ثم قتلوا قاتل القنوي في قصطل الحرامي ورفعوا ابن الكلرجي جابي جلبي أفندي والشيخ علي السرميني وكل من له دعوى تحرك على أتباع الأفندي وختموا على دائرة