استعدادات السلطان قانصوه الغوري لهذه الحرب :
قال ابن إياس : في المحرم من سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة حينما تحقق السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري أن ابن عثمان [السلطان سليم خان] زاحف على بلاده نادى للعسكر بأن كل من كان له فرس أو أكثر في الديوان يطلع يقبض ثمنه ، وصار يأخذ بخواطر المماليك القرانصة ويرضيهم بكل ما يمكن وصرف لهم اللحوم التي كانت منكسرة وأعطاهم ثمن الخيول التي كانت لهم في الديوان ، وفيه أرسل السلطان مكاحل حديد ومدافع وصوانا إلى ثغر الإسكندرية وسافرت في المراكب إلى هناك فكانت نحو مائتي مكحلة وقد بلغه أن ابن عثمان جهز عدة مراكب تجيء على السواحل للديار المصرية.
وفي صفر وكان مستهله يوم الأربعاء طلع الخليفة والقضاة الأربعة للتهنئة بالشهر فقال السلطان للخليفة لما جلس عنده : اعمل برقك إلى السفر وكن على يقظة فأنا مسافر إلى حلب بسبب ابن عثمان ، وقال للقضاة الأربعة مثل ما قاله للخليفة : اعملوا برقكم وكونوا على يقظة حتى تخرجوا صحبتي فقالوا : الأمر لمولانا.
وفي ثامن صفر جلس السلطان بالميدان وعرض العسكر من كبير وصغير وكتب الجميع فعرض في ذلك اليوم أربع طباق ولم يعف من العسكر أحدا.
وفي سابعه عرض السلطان الأمراء وكان أعلمهم أن العرض في هذا اليوم ، فطلعوا جميعا فقيل عين في ذلك اليوم من الأمراء المقدمين ستة عشر أميرا ، وأما الأمراء الطبلخانات والعشروات فلم يعف منهم إلا القليل ، وقال لهم : الذي له عذر يعوقه عن السفر يذكره لي ، فأعفى منهم جماعة. وفي تاسعه أكمل السلطان عرض العسكر قاطبة ولم يعف منهم أحدا ، وفي ثالث عشره خرج عبد الرزاق أخو دولات وأولاد علي دولات الذين كانوا حضروا إلى مصر ، فلما حضروا أرسل إليهم السلطان ثمانية آلاف دينار ليعملوا بها برقهم فتأهبوا وخرجوا في ذلك اليوم وقصدوا التوجه إلى حلب ، وفي الخامس والعشرين منه جلس السلطان في الميدان وعرض الأمراء والطبلخانات والعشراوات ورؤوس النوب ، فلما عرضهم قال لهم : اعملوا برقكم وكونوا على يقظة من السفر فإني أنفق وأخرج في جمعتي هذه ، فنزلوا على ذلك.