قال المحبي : هو مصطفى باشا الشهير بأبشير الوزير الأعظم أحد الوزراء المشهورين بالجلالة والرأي الصائب وحسن السياسة ، ولي الشام في سنة ستين وألف وألجىء في حكومته إلى غزو بلاد الدروز ، فخرج من دمشق في جمع عظيم ، وبلغ الأمير ملحم بن يونس المعني خبر خروجه بقصدهم فجمع جمعا كثيفا من الدروز وعزم على المقابلة ووقعت المحاربة بين الفريقين في وادي قرنانا فكان عسكر الوزير في أسفل الوادي لكونهم ركبانا وجماعة الدروز من أعلى الوادي ، فخلص بعد صعوبة وذهب له ولعسكره شيء كثير من الخيل والسلاح والعدد ، ثم عزل عن محافظة دمشق وأعطي كفالة حلب وله بها الخيرات العظيمة من الجامع والخان والحوانيت وغيرها مما جعله وقفا على الجامع وعلى صرة لأهالي مكة تحمل إليهم كل سنة وشرط توزيعها لمن يكون قاضيا بمكة. ثم جاءه ختم الوزارة العظمى وهو بحلب سنة أربع وستين وألف وقيل في تاريخه [وزير الخير] ولم تطل مدته في الوزارة وقام العسكر عليه وقتلوه ، وكان قتله في أوائل سنة خمس وستين وألف اه.
ترجمته :
قال المؤرخ الشهير أحمد رفيق التركي في كتابه «تصاوير رجال» في ترجمة أبشير باشا ما ملخصه : هو ابن أخت جركس أبازة من الجلالية ، دخل في صباه في سلك رجال أندرون همايون (هم رجال يتربون داخل السراي السلطانية) ووجهت إليه رتبة أمير أخور وكان واليا على بودين (في مقاطعة بسارابيا) ثم على الشام وحارب العصاة هناك وكان قبل ذلك قام بحركات ثوروية مدة خمس سنوات في جهات سيواس ، وكان معاونا لحسن آغا الأبازة في أفعاله ، وبعد ذلك تعين واليا لحلب. وكان معروفا بطول قامته وممتازا بغباوته ، وكان أكثر شيء يحافظ عليه عدم الالتفات لأحد ، وكان عبوسا دائما لأن دماغه لم يترب على إدارة الدولة ، وكان مما يمتاز به أنه يقعد على ركبتيه ليظهر أدبه ووقاره مع خشونة طبيعته ويتظاهر بتصوف جاهلي ، فكان يشرب حليبا بدلا عن القهوة ، وينظر لمن يشرب الدخان بمنزلة شارب المسكر ، وكان بخيلا جدا ، وكان يتلهى بركوب الخيل ولعب الرمح وضرب اللباد بالسيف ، وأكثر حديثه في الصيد ، وبالغ في الغدر والاعتساف إلى درجة نفرت الناس منه ، ويظهر أن أخلاق أبشير باشا هذه كانت مقبولة ومرغوبة عند أهل السراي السلطانية لذلك تزوج بعائشة سلطان ، وفي الآخر جلب أبشير باشا من رياسة الأشقياء إلى مقام الصدارة.