والأغوات وكروا راجعين إلى المكان الذي وقفت فيه جيوشهم ، ونادى الأمير فيهم وأعلمهم بغدرهم وسوء نيتهم ، فأقبلت تلك الجيوش كالسيل المنحدر وقد علا صياحها بالزغاريت والأناشيد الحماسية على مقتضى اصطلاحاتهم وانحطت على العساكر التركية وأعملت فيها السيف فقتل من قتل وجرح من جرح ومن كان منهم قوي الفرس لاذ إلى الفرار ومن لم يتمكن أخذ أسيرا وأخذ ما عليه من اللباس والسلاح ، وكانت الأسرى تقدر بأربعة آلاف. ورجع الفارون على أسوأ حال وهم حفاة عراة ، وبعض من العربان هجموا على المكان الذي فيه الباشا وكان في وسط العساكر وأخذوا في محاربتهم وقتل كثير من الفريقين وأخيرا رجعوا عنهم وعاد الباشا بمن بقي معه إلى حلب.
واستولى العربان على الخيم التي أحضرها الباشا ليقيم فيها الضيافات وعلى القدور والأطعمة وسائر لوازم ذلك استولوا على الجميع مع كثير من الخيول. وكذلك أخذ العربان ثياب الأهالي الذين أتوا مع الباشا للتفرج والنزهة وخيولهم وعادوا إلى حلب بحالة سيئة يرثى لها وجرح البعض منهم. والمنتظر بعد الآن من الأمير عساف أن لا يكون له ثقة بالعثمانيين ويشق عصا الطاعة وأن يزداد العربان طغيانا على طغيانهم.
ذكر تعيين درويش محمد باشا على حلب
قال مصطفى نعيما : وحينما اتصلت هذه الأخبار بمسامع الدولة عزلت إبراهيم باشا ووجهت ولاية حلب إلى درويش باشا الذي كان منعزلا عن ولاية بغداد.
قال المؤلف : أخبرني بهذه الواقعة والدي المرحوم محمد آغا سردار حلب وأخبرني أنه كان مع إبراهيم باشا في واقعته هذه مع الأمير عساف وأنه قتل من حاشية إبراهيم باشا من ٢٠ إلى ٣٠ شخصا وسلبت حوائج أربعين ومن الأهلين سلب وجرح كثيرون.
ثم إن الدولة رأت أن الأولى استمالة الأمير المذكور وأرسلت تحارير تتلطف به ، ثم إن كتخدا بك بكتاش آغا تبين أنه صديق للأمير عساف ، فبعد أن جعل كتخدا الباب فبواسطة جدنا المرحوم علي آغا الصغير وهو من أعيان حلب