وعقلائها أرسل إلى عساف الفرمان الذي تقرر إرساله إليه وأرسلت له هدايا ذات شأن بقصد استمالته وعوده إلى سابق الطاعة. وفي ذلك الحين توجه والدي مع جدي في هذه المهمة وبوصولهما إلى المكان النازل فيه الأمير عساف وقومه استقبلا استقبالا حسنا على عادة العربان بإيقاف ثلة من الفرسان لابسة الدروع الداوودية ، وحينما أخرجا الفرمان والخلعة قبلهما وقبلهما ، ثم شرع جدي يباسطه الكلام وقال له : إن إطاعة الدولة العثمانية هي أقصى أماني الدول والملل ومدار افتخارهم ، وبما أنك من نسل أبي ريش ذلك الرجل العريق في النسب والفصاحة وهو أصل العرب والعربان فإنه لا يحتمل أن يصدر منك شيء خارج عن دائرة الآداب ، فما هو السبب حينئذ فيما حصل بينك وبين إبراهيم باشا من الأمور التي أدت إلى ما لا تحمد عقباه وما هي بواعث ذلك.
فتنهد الأمير عساف وقال : آه ، ثم قال : والله (يا علي) لم يصدر مني ما يستوجب هذا العمل ؛ غاية الأمر أن إبراهيم باشا دعاني إلى مكان كذا لأجل أن يعقد معي عهدا ويقيم لي ضيافة والله يعلم أني أتيت والإخلاص ملء قلبي وليس لي نية سوء للدولة ، وحينما دخلت بين عساكره قابلني اثنان منهم بالرصاص فكان حينئذ ما كان. ثم إنه أحضر الدروع التي كان لابسها وأراها لجدي ووالدي وأراهما تأثير الرصاص في تلك الدروع وانتثار حلقات من صدرها وأقسم لهما إنه ظل شهرين يبصق دما من أثر تلك الضروب. ثم قال : ما هو ذنبي الذي حدا بإبراهيم باشا أن يعاملني تلك المعاملة الفظيعة؟ فأخذ جدي يتلطف به ويسليه وأفهمه أن رجال الدولة لا رضاء لها بهذا العمل والواجب عليك من الآن وصاعدا إطاعة الدولة وضبط أمور العربان ومنع تلك التعديات منهم ، والدولة العثمانية عزلت إبراهيم باشا وفي ذلك دليل واضح على أنها لا تقصد لك سوءا إلى غير ذلك من عبارات التلطف ، ثم قال له : والدولة توصيك أن تضبط أمور العربان بهمة عالية تبرهن بذلك على إخلاصك للدولة وحسن نواياك لها.
ثم إن الأمير عساف أرسل للدولة عدة خيول من جياد الخيل وأنعم على والدي وجدي بعشر من الحصن وستة أفراس وأعطاهما حوالة بألفي دينار على أحد أصحابه بحلب ، ثم أنعم عليهما بعشرة آلاف غرش أيضا اه ما ذكره نعيما في بيان هذه الحادثة.