(أقول) : تأمل رعاك الله في هذه السياسة الخرقاء وفي تلك الطرق التي كان يسلكها هؤلاء الولاة في إدارة الملك وتأييد السلطة ، أما كان الأحرى بهذا الباشا أن يصغي إلى إرشادات ذلك الوجيه (دالي قورد) ويعمل بما أشار به عليه ويسلك منهاج المسالمة مع هذا الرجل ويعدل عن مهيع الغدر وقصد الفتك به ويستجلبه باللطف واللين وأنواع البر ، خصوصا وقد أجابه إلى حضور دعوته واستماع نصيحته في المكان الذي عينه له ، وفي تلبيته الدعوة دليل واضح على ندمه على ما فرط منه أو من عشائره من التعدي على ما حوله من القرى واستلاب أموال أهلها ورغبته بالرجوع إلى الطريقة المثلى والجادة القويمة. أما كان الأجدر بحضرة الباشا بعد أن يستقبله استقبالا حسنا يليق بأمثاله أن يقدم له المواعظ الحسنة والنصائح اللازمة ويأخذ عهوده ومواثيقه بلزوم الطاعة والانقياد إلى الجماعة وكف عشائره عن كل ما يخل بالأمن وراحة أولئك الفلاحين القاطنين في القرى التي حوله ، وإذا لم يجد فيه ذلك الرجل وخان العهود وفصم عرى تلك المواثيق وعاد هو أو عشائره إلى السلب والنهب والإخلال بالأمن فلا بأس حينئذ إذا استعمل القوة وسلك مناهج الشدة واستعد له تمام الاستعداد ثم جرد السيف في وجهه وعمل بمقتضى قول أبي تمام : (السيف أصدق أنباء من الكتب) ولكن يغلب على الولاة المستبدين أنهم لا يستعملون اللين إلا بعد العجز ولا يسلكون سبيل اللطف إلا بعد منتهى الضعف ولا يجودون بالوصل إلا بعد أن لا ينفع الوصل ، بصرنا الله طريق الرشاد وهدانا سبيل السداد.
ترجمة درويش محمد باشا :
أما درويش محمد باشا فإنه بقي واليا كما في السالنامة إلى سنة ألف وسبع وخمسين ، وقد ترجمه في قاموس الأعلام فقال : هو جركسي الأصل ، ولما صار محمد باشا الطباني صدرا أعظم صار المترجم كتخداه ، وفي سنة ١٠٤٧ عين واليا على الشام ، وفي سنة ١٠٤٨ عين واليا لديار بكر ، وفي سنة ١٠٤٩ حاز رتبة الوزارة وعين محافظا لبغداد ، وفي سنة ١٠٥٤ عين واليا لحلب ، وفي سنة ١٠٥٥ عين واليا للأناضول (هكذا وهو يخالف ما في السالنامة) وفي سنة ١٠٦٢ صار محافظ البحر ، وفي