وكثير من أهالي حلب توجهوا زمرا زمرا بدعوة من الباشا إلى ذلك المكان بأبهة عظيمة ، لكن (دالي قورد) جاء سحرا إلى إبراهيم باشا قبيل توجهه وقال له : يا حضرة الباشا إن كان فكرك قتل ملك الصحراء في هذه المرة فإن ذلك محال لأني قد أعطيته أمانا وعهودا وثيقة أنك لا تتعرض له بسوء ، ثم إن الغفلة التي كانت في العربان قد زالت في هذا الزمان وأصبحوا الآن يعلمون من أدنى حكرة وإشارة ماذا يراد بهم من الخدع ، والأمير عساف لا يأتي بقليل من أتباعه بل يأتي بجميع قبائله فإذا لمح منكم أدنى مكروه تقصدونه به فإنه ينادي النفير وحينئذ لا ينتظر أنكم تظفرون به بل الغالب أن النصر يكون بجانبه ، وإذا عولت على الإيقاع به فإن عساكرك غير مدربة وعساكر الأمير متعودة على الحرب ، وأيضا فإنا إذا عاملنا هذا الرجل معاملة سيئة وغدرنا به بعد أن أعطيناه العهود والمواثيق فإن جميع العربان في هذه الأقطار الشاسعة لا تأمن لنا بعد الآن ولا تثق بعهودنا وتعتبرها من خونة العهود وتضعف شوكة نفوذها وسلطتنا عليهم والأمر إليك. فوعده الباشا خيرا وطمن قبله ثم خرج الباشا من الشهباء إلى المكان الذي أعد للاجتماع بملك الصحراء وإقامة الضيافات له ، وخرج معه قسم من العساكر وهي مسلحة بالبنادق ، فحضر عساف ملك الصحراء ومعه أزيد من ستة آلاف فارس من عشائره بالعدد التامة من الرماح والسيوف. ومن عادة العرب أنهم أينما ساروا يسيرون معهم آلافا من الدروع الداوودية محملة على الجمال مع كل مقدم من مقدميهم خشية طارق يطرق عليهم ، ومن عادتهم حمل بيوت من الشعر من جملتها بيت كبير عظيم يجتمع فيه كبراؤهم ويتشاورون فيه في مهامهم ويقضون ويمضون وهو لديهم بمنزلة الديوان في الحواضر ، فهذه الدروع وهذه البيوت شعار دولتهم وعظمتهم.
وحينما أقبلت تلك الفرسان كان معظمها متدرعا بتلك الدروع ، ولما قرب ملك العرب عساف انتخب مئات من قومه من شجعانهم وأتى إلى المكان الذي أعد لنزوله والباقون من قبائله وقفوا بعيدا عنهم.
ولما وصل إلى حضرة الباش ترجل عن فرسه وسعى خطوات وأتى إلى الباشا لأجل تقبيل ركابه والسلام عليه والباشا أيضا نزل عن فرسه ومشى إلى الأمام ، وكانت عساكر الباش قد وضعت الرصاص في البنادق وحينما دخل عساف بين العساكر أطلق عليه اثنان منهم الرصاص من أمامه واثنان منهم من خلفه فلم يصب بشيء منها لأنه كان لابسا ثلاثة من الدروع ، وحينئذ حصل الهيجان في العربان الذين أتوا معه وأحضروا له فرسا فركبها للحال وتقدم للمكان الذي فيه إبراهيم باشا فقتل هو ومن معه مقدار عشرين من الباشوات