المولى إبراهيم بن علي الأزنيقي وحسن باشا الدفتري المقدم ذكرهما ولم يمكناه من الخروج حتى دفع إليهما مائة ألف قرش ليفتدوا بها الشام من ابن جانبولاذ ، ثم خرج ومعه الأمير موسى بن الحرفوش ، ولما بلغ الأمير ابن جانبولاذ خروجه غضب وقال أهل دمشق : لو أرادوا السلامة مني ما مكنوا ابن سيفا من الخروج وهم يعرفون أنني ما وردت بلادهم إلا لأجله ، ونادى عند ذلك بالسكبانية أن يذهبوا مع الدروز جماعة ابن معن لنهب دمشق ، فوردت السكبانية والدروز أفواجا إلى خارج دمشق وشرعوا في نهب المحلات الخارجة ، فلما اشتد الكرب والحرب على المحلات وتلاحم القتال خاف العقلاء في دمشق فخرج جماعة إلى ابن جانبولاذ وقالوا له : إن ابن سيفا قد وضع لك عند قاضي الشام مائة ألف قرش وتداركوا له خمسة وعشرين ألف قرش أخرى كما وقع عليه معه الاتفاق من مال بعض الأيتام التي كانت على طريق الأمانة في قلعة دمشق وبعد ذلك أداها أيضا ابن سيفا كالمائة ألف ، فلما تكلم الناس في الصلح طلب ابن جانبولاذ المال الذي وقع عليه الصلح على يد الدفتري وقال : إن جاءني المال في هذا الوقت رحلت ، فحملوا له مائة ألف قرش وخمسة وعشرين ونادى بالرحيل عن المزة في اليوم الرابع من نزوله. واستمر النهب في أطراف دمشق ثلاثة أيام متوالية وكانوا يأخذون الأموال والأولاد الذكور ولم يتعرضوا للنساء.
ولما رحل ابن جانبولاذ ارتفع النهب عن المدينة وفتحت أبواب المدينة في اليوم الرابع فازدحم الناس على الخروج أفواجا أفواجا ودخل إليها من نهبت أسبابه من المحلات الخارجة فكانوا لا يعرفون لتغير أسبابهم ووجوههم ، وابتدأت العساكر الهاربة تتراجع إلى دمشق ولم يبالوا بما صدر منهم من الفضيحة. ولما فارق ابن جانبولاذ دمشق سار على طريق البقاع وفارق ابن معن هناك ورحل إلى أن وصل إلى مقابلة حصن الأكراد وأقام هناك ، وأرسل إلى ابن سيفا يطلب منه الصلح والمصاهرة فأجابه وأعطاه ما يقرب من ثلاث كرات من القروش وزوجه ابنته وتزوج منه أخته لابنه أمير حسين ، ورحل ابن جانبولاذ من هناك إلى جانب حلب وجاءته الرسل من جانب السلطنة تقبح عليه ما فعل بالشام ، فكان تارة ينكر فعلته وتارة يحيل الأمر على عسكر الشام ، وشرع يسد الطرقات ويقتل من يعرف أنه سائر إلى طرف السلطنة لإبلاغ ما صدر منه حتى أخاف الخلق ونفذ حكمه من آدنة إلى نواحي غزة ، وكان ابن سيفا ممتثلا لأمره غير تارك مداراة السلطنة واتفق معه على أن تكون حمص تحت حكم ابن سيفا.