بحيث دعت الحال أن يتوجه لفيف من وجوه الشهباء وعلمائها إلى خورشيد باشا وهو مقيم في الشيخ أبي بكر وصاروا يتلطفون بخاطره ويلتمسون رضاه. ثم إن خورشيد باشا قطع المؤن والماء عن البلدة وضيق عليها أشد التضييق وبعث العساكر في أنحائها وأرسل فاستحضر متسلميها ، وأرسل إلى ديار بكر لاستحضار العساكر التي أرسلت بمعية سلحدار باشا ، وأرسل إلى سلانيك لاستحضار ألفي جندي عن طريق اللاذقية وكتب بما قام به من التدابير إلى مقر السلطنة. فوصلت تحاريره في ١٨ محرم ، وكان في ذلك الأثناء حدثت فتن في ديار بكر فكان ذلك سببا لاضطراب أحوال الحكومة في الآستانة.
إن خورشيد باشا بالرغم على كونه صالحا متدينا صافي السريرة نظيف اللسان ، وبالرغم عن سوء أحوال حاشيته فكان الواجب على أهالي حلب أن يرفعوا أمرهم رأسا للدولة لا أن يثيروا الفتن ليؤدي الحال إلى اعتبارهم عصاة في نظر الدولة لتسعى في تأديبهم ولكونهم كانوا مستحقين للتأديب (هكذا رأيه ومصلحة دولته تدعوه أن يقول ذلك). أعطي الأمر إلى متصرف قيسارية أبي بكر باشا بجمع مقدار من العساكر والتوجه إلى حلب ، وكذلك أعطي الأمر إلى جبّار زاده جلال الدين باشا والي آدنة بإرسال عساكر مع قائد إلى ديار بكر عوضا عن العساكر التي استدعيت من ديار بكر إلى حلب ووعد جبّار زاده المذكور لوالي حلب بتقديم كل ما يلزم له من أنواع المساعدة في سبيل تأديب هؤلاء العصاة ، حتى إنه وعده بالمجيء بنفسه إذا اقتضى الحال.
ثم إن العساكر التي كانت حضرت من طريق الإسكندرونة وكانت موجهة إلى بغداد ومعها آلات الحرب والمدافع أمرت بالبقاء في حلب والالتحاق بمن هناك من العساكر.
وأرسل من هؤلاء شرذمة لتأديب حمود الإبراهيم رئيس عشيرة الحديديين لمعاونته العصاة من أهالي حلب ، ثم حضر إلى حلب متسلمو الأطراف مع ما لديهم من العساكر ووصل إليها عساكر سلانيك وعساكر الأرناؤوط التي كانت موجهة إلى ديار بكر ، وكانت هذه العساكر تأتي إلى حلب زمرة بعد زمرة ، ثم حضر إليها جبارزاده جلال الدين باشا والي آدنة ولطف الله باشا والي الرقة وحضر معهم عساكر أيضا فصار في حلب قوة عظيمة من العساكر.
ثم حصل وقعة في محلة قسطل الحرامي بين العساكر والعصاة من الأهالي فانكسر العصاة لكنهم لم يخلدوا إلى السكينة ، فاتفق الولاة الثلاثة على الدخول جبرا إلى داخل البلدة بما معهم من العساكر ، فرتب هؤلاء كيفية الهجوم على نفس البلدة فهجموا عليها في