ربيع الآخر (أي في سنة ١٢٣٥) وصاروا يطلقون المدافع على أسوار البلدة وقت السحر فخربوا جانبا من السور ، فدخل منه عساكر الأرناؤوط (وكانت مدة الحصار مائة وأحد عشر يوما) وصار القتال داخل البلدة في الشوارع والأسواق ، وكان القتال سجالا بينهم إلى أن أدى الحال إلى فرار العصاة من الأهالي ، ثم دخل الولاة مع ما معهم من العساكر واحتلوا البلدة ثم إنهم أعدموا سبعة من كبار العصاة وأرسلوا برؤوسهم إلى الآستانة مع تحريرات فوقع عليها الوزراء الثلاثة ، وهذه التحارير وصلت إلى الباب العالي في جمادى الأولى فسر الباب العالي لذلك كثيرا وأنعم على الولاة الثلاثة بخلع من فرو السمّور وأنعم على خورشيد باشا بخنجر مرصّع بثمين الأحجار.
ثم لما كان يدور على الألسنة في دوائر الآستانة أن أسباب هذا الاختلال في حلب وأسباب هذه الفتن إنما كان لسوء إدارة حاشية خورشيد باشا تقرر إرسال معتمد للتحقيق عن الأسباب التي دعت أهالي حلب إلى القيام في وجه الحكومة والعصيان على الدولة ، فأرسل لهذه المهمة مصطفى نظيف أفندي الكاملي ، وكان إرساله بسعي نقيب الأشراف في الآستانة عبد الوهاب أفندي ، إلا أنه لم يرق في عين خورشيد باشا إرسال مصطفى أفندي لأن خورشيد باشا لما كان رئيس العسكر في جهة صوفية كان مصطفى نظيف أفندي من رجال معيته بوظيفة أمين المنزل ولم يكن ممتنا منه. وكان نقيب الأشراف عبد الوهاب نافذ الكلمة في دوائر الآستانة وكان في نيته أن يعين مصطفى نظيف أفندي واليا على حلب بعد أن يعزل عنها خورشيد باشا ، وأسر إليه ذلك وأوصاه أن يذهب إلى حلب بدبدبة وفخفخة عظيمة ، فتوجه إليها كما أشار إليه النقيب وزيادة ، وخورشيد باشا لكونه كان قبل ذلك في منصب الصدارة ومنصب القيادة الأولى وله يد عليا في دوائر الدولة واطلاع على شؤونها وتطوراتها ، فقبل وصول مصطفى نظيف أفندي إلى حلب علم بخفايا ما ينوي له. وبعد ضبط حلب بيومين على الصورة التي تقدمت وصل إلى حلب مصطفى نظيف أفندي ونزل في مكان قريب من مكان الشيخ أبي بكر ، فأوقفه خورشيد باشا في هذا المكان ، وبعد أيام طلبه إليه وبعد أن أعلمه أنه مطلع على خفايا نواياه أكرمه وأحسن إليه وأباح له أن يقوم بالمهمة التي أتى لأجلها.
وبعد أن أخذ المفتش في التحقيق والتدقيق عن أسباب هذه الفتن رفع تقريرا مسهبا بيّن فيه أن أغراض خورشيد باشا الخفية هي التي كانت السبب لإثارة هذه الفتن وذلك