العصيان ، وأيضا فإن خورشيد باشا قرب إليه من لا يستحق التقريب وأبعد من لا يستحق التبعيد وأعدم من الأهلين من لا يستحق الإعدام ، وكل ذلك نشأ عن مأموري معية خورشيد باشا بما اعتاده من الظلم للأهلين وتناول الرشوة التي لا تطاق منهم في سبيل أغراضهم الفاسدة. ورفع تقارير أخر ، إلا أن تلك التقارير التي قدمها إلى دوائر الآستانة لما كان بعضها يناقض بعضا تناقضا بيّنا وللمساعي التي بذلها خورشيد باشا ألقيت في زوايا الإهمال وتخلص خورشيد باشا مما كتب في حقه وفاز بسياسته ودهائه.
ومن الغريب أنه بعد انتهاء هذه الفتنة واتخاذ التدابير الشديدة أتى مأمور إلى صالح قوجه آغا أحد المتسلمين لديه وأخبره أن البارحة تنازع رجل فقير درويش من دراويش المولوية مع عسكري لأجل عباءة فأخذ الدرويش المسكين وحبس ليلا وخنق.
وصبيحة هذا اليوم حضرت زوجة الدرويش ومعها أولاده الأربعة إلى باب خورشيد باشا ورفعت له عريضة بيّنت فيها الحال وذكرت أنه ليس لديها ما تتعشى به هي وأولادها تلك الليلة ، وأن زوجها لم يترك سوى أربعة قروش ، واستمطرت رحمة الباشا بهؤلاء الأولاد ، فتأسف الباشا جدا لهذه الحادثة وأحسن إلى المرأة وأولادها بنصف كيس ، فتعجب صالح آغا من هذا الخبر واستغربه جدا وقال لذلك الرجل الذي أخبره بالحكاية إنه ضرب هذا اليوم ثلاثة مدافع إعلاما بإعدام ثلاثة رجال في هذه الليلة ، وهذا اليوم لم تزد أجساد القتلى الذين وجدوا في ميدان القلعة على ثلاثة رجال وإني سأجري التحقيقات وأعلم حضرة الباشا عن الرجل الذي يقتضي أن يعدم وأعدم مكانه هذا الدرويش وأين فر ذلك الرجل الذي أعطي الأمر بإعدامه (قصده أنه تبين أنه أعدم أربعة والحال لم يطلق سوى ثلاثة مدافع فلم كان ذلك) وأيضا أعدم أربعة أشخاص بدون ذنب وترك عوضا عنهم أربعة مستحقين للإعدام ولم يتركوا إلا لما بذلوه من الرشوة. أخبر بذلك من وقف على حقائق الأمور. وتبين أن قطار آغاسي مصطفى بك له يد في هذه الأعمال الفظيعة ، فاضطر صالح آغا قوجة إلى السكوت. وهذه الأخبار مندرجة في تاريخ شاني زاده والعهدة على الراوي.
ثم قال جودت باشا : في ذلك الزمن كان يوجد كثير من أعيان وجوه البلاد على هذه الصفات وليست مختصة في الولايات ومحصورة فيها ، بل كان يوجد كثير من هؤلاء الرجال في نفس العاصمة ولم يكن للرجل قيمة ولا للدم حرمة ، وكان يذبح الإنسان كما تذبح الدجاجة الصغيرة. (ثم قال) : والحاصل أنه في ذلك الزمان سواء كان في الآستانة