ومن أعجب ما يكون من العجب أن هؤلاء القوم القريبين من الألفي فارس المتقدم ذكرهم من الجراكسة يقاتلون قتال الموت في نحو مائة وخمسين ألفا من الروم والترك ما بين ألوف مشاة ومثلهم خيالة من عسكر الروم ، ثم حطموا عليهم حطمة واحدة ، وبينما هم كذلك وإذا بالسلطان سليم رمح حصانه من قلب الصف الكبير حتى وصل إلى الصف الوسطاني وفي يده سيف عمر بن الخطاب رضياللهعنه وصاح في عسكره : هكذا تعاركون قدامي مع عدوي ، وصاح في البشوات ، فلما نظر الروم إلى ذلك ردوا على الجراكسة كالبحر إذا سال بعرض الوادي فتراجع الجميع وأطلقوا المدافع والبندقيات وحملوا على الجراكسة وصاحوا الله الله فكانت الكسرة على الجراكسة ، وطيروا الجراكسة والعربان والمشاة مثل القطر في الثرى وصار النهار مثل القيامة الكبرى ، وكان يجيء كل مدفع على نحو خمسين أو ستين أو مائة نفس فصارت تلك الصحراء كالمجزرة من الدماء ، ومازال الروم والسلطان سليم سائرين حتى جاؤوا الى صف الغوري فرجع خير بك والغوالي مع من انهزم من الجراكسة حتى دخلوا وطاق الغوري ونادوا : الفرار الفرار فإن السلطان سليما أحاط بكم وقتل الغوري والكسرة علينا وانثنى طالبا حلب ، فتبعه الجلبان وتشتت العسكر وظنوا أن السلطان قتل كما قال خير بك ، وإنما فعل ذلك بغضا ومكيدة مع الغوري والسلطان الغوري واقف مكانه وحوله بعض الجلبان القريبين منه ، وأما الذين كانوا بعيدين عنه فإنهم ظنوا أنه قتل فانهزموا مع خير بك قاصدين حلب.
فلما علم الغوري بما جرى لعسكره من التشتت صار ينادي عليهم بأعلى صوته : يا أغوات الشجاعة صبر ساعة ، فلم يلتفت إليه أحد منهم وكان أمر الله قدرا مقدورا ، وكل ذلك بغضا منهم لسلطانهم فإنه كان يريد أن يقطع القرانصة شيئا فشيئا ثم يستقل هو بجلبانه ويصفو له الوقت والسلطنة.
ثم تقدم إليه الأمير سودون العجمي أمير كبير وقال له : يا مولانا السلطان أين جلبانك؟ أين خاصتك؟ هكذا عملت بنا ولا زلت قائما في حظ نفسك حتى أهلكت نفسك وأهلكتنا معك ، ولكن القيامة تجمع بيننا وبينك وسنقف بين يدي مولانا سبحانه وتعالى يحكم بيننا بالعدل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم التفت عن يمينه فوجد الأمير سيباي والأمير أقباي الطويل والأمير علان والأمير أصلان بن بداق ومن يشبه هؤلاء من