فقال (١) : إنّي ما أرى لك حقّا ، لأنّه اكتراه إلى قصر بني هبيرة ، فخالف (٢) ، فركبه إلى النيل وإلى بغداد ، فضمن قيمة البغل وسقط الكراء ، فلمّا ردّ البغل سليما وقبضته لم يلزمه الكراء.
قال (٣) : فخرجنا من عنده وأخذ صاحب البغل يسترجع فرحمته ممّا أفتى (٤) به أبو حنيفة ، وأعطيته (٥) شيئا وتحلّلت منه. وحججت تلك السنة ، فأخبرت أبا عبد الله عليهالسلام بما أفتى به أبو حنيفة.
فقال (٦) : في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها ، وتحبس الأرض بركاتها.
______________________________________________________
(١) يعني : فقال أبو حنيفة للمكاري : لا أرى لك حقّا على أبي ولّاد أصلا ، لا خمسة عشر درهما ، ولا أزيد منها ، بل تستحقّ الدراهم التي تراضيتما عليها ـ أوّلا ـ حين اكتراء البغل من الكوفة إلى قصر بني هبيرة.
(٢) يعني : فخالف أبو ولّاد مقتضى الإجارة ، وعدل بطريقه من قرب قنطرة الكوفة إلى النيل ، ولم يذهب إلى قصر بني هبيرة.
(٣) يعني : قال أبو ولّاد : فخرجنا من عند القاضي وأخذ صاحب البغل يقول :
إنّا لله وإنّا إليه راجعون. لكون قضائه جائرا مخالفا للعدل والانصاف الذي تدعو دين الفطرة إليه ، ولم يخف بطلانه على عقل أبسط الناس ـ وهو المكاري ـ وإن خفي على عقل فقيه العراق بحسب زعمه.
(٤) التعبير بالفتوى ـ مع أنّهما ترافعا إلى القاضي ـ لأجل أنّ النزاع في الحكم الكلّيّ ، فكان فصل الخصومة بالفتوى ، لا ببيان حكم قضيّة شخصية.
(٥) ضمير الفاعل من هنا إلى «فأخبرت» راجع إلى أبي ولّاد ، وضمير المفعول والمجرور في «منه» راجع إلى صاحب البغل.
(٦) أي : فقال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام : في مثل هذا القضاء ـ المخالف لما أنزله الله تعالى ـ تحبس السماء ماءها .. إلخ.