بدليل الناسخ إنما هو المنع من الترك ، واما الجواز الّذي هو بمنزلة الجنس فلا دليل على ارتفاعه أصلا ، فاذن لا محالة يكون باقياً ، خاطئة جداً غير مطابقة للواقع في شيء ، وذلك لأن دعوى بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل ، لو تمت فانما تتم في المركبات الحقيقية كالإنسان والحيوان وما شاكلهما. واما في البسائط الخارجية فلا تتم أصلا ولا سيما في الأحكام الشرعية التي هي أمور اعتبارية محضة وتكون من أبسط البسائط ، ضرورة ان حقيقتها ليست إلا اعتبار الشارع ثبوت الفعل على ذمة المكلف أو محروميته عنه. ومن هنا قلنا ان الوجود والحرمة والاستحباب والكراهة جميعاً منتزعة من اعتبار الشارع بحكم العقل وليس شيء منها مجعولا شرعياً ، فالمجعول إنما هو نفس ذلك الاعتبار ، غاية الأمر ان نصب الشارع قرينة على الترخيص في الترك فينتزع العقل منه الاستحباب وان لم ينصب قرينة عليه فينتزع منه الوجوب.
وعلى ضوء هذا فلا يعقل القول بان المرفوع بدليل الناسخ إنما هو فصل الوجوب دون جنسه ، ضرورة ان الوجوب ليس مجعولا شرعياً ، ليكون هو المرفوع بتمام ذاته أو بفصله ، بل المجعول إنما هو نفس ذلك الاعتبار. ومن الواضح جداً انه لا جنس ولا فصل له ، بل هو بسيط في غاية البساطة ، ولأجل ذلك فلا يتصف إلا بالوجود مرة وبالعدم مرة أخرى ولا ثالث لهما. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى ان حقيقة النسخ بحسب مقام الثبوت والواقع انتهاء الحكم بانتهاء أمده بمعنى ان سعة الجعل من الأول ليست بأزيد من ذلك ، ومن هنا كان النسخ في الحقيقة تخصيصاً بحسب الأزمان في مقابل التخصيص بحسب الأفراد فلا يكون في الواقع رفع بل فيه دفع وانتهاء الحكم بانتهاء مقتضية. نعم بحسب مقام الإثبات وظاهر الدليل يكون رفعاً.
فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين هي ان معنى النسخ انتهاء اعتبار المجعول