ومقدور للمكلف عقلا فعلا وتركاً وان كان غير مقدور له تشريعاً ، ولكن قد عرفت انه لا وجه لهذا التخصيص أصلا ولا فرق في جريان هذه القاعدة بين ان يكون امتناع الفعل تكوينياً أو تشريعياً ، فكما انها تجري على الأول ، فكذلك تجري على الثاني.
وعلى هدى ذلك قد تبين ان الخروج عن الأرض المغصوبة في مفروض الكلام وما شاكله داخل في كبرى تلك القاعدة ، وذلك لأن الخروج وان كان مقدورا للمكلف تكويناً فعلا وتركاً ، الا انه لا مناص له من اختياره خارجاً والوجه فيه هو ان امره في هذا الحال يدور بين البقاء في الأرض المغصوبة والخروج عنها ولا ثالث لهما. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى ان التصرف فيها بغير الخروج بما انه محرم فعلا من جهة انه أهم المحذورين وأقوى القبيحين فلا محالة يحكم العقل بتعين اختيار الخروج والفرار عن غيره ومع هذا يمتنع النهي عنه بالفعل لأن حكم الشارع بحرمة البقاء فيها فعلا الموجب لامتناع ترك الخروج تشريعاً لا يجتمع مع النهي عن الخروج أيضاً فالنتيجة انه لا يمكن النهي عنه في هذا الحال لامتناع تركه من ناحية إلزام الشارع بترك البقاء والتصرف بغيره كما هو واضح ، ولكن بما انه مستند إلى اختيار المكلف فلا ينافي العقاب فان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.
وعلى الجملة فمن دخل الأرض المغصوبة باختياره وإرادته وان كان قادرا على الخروج منها عقلا كما انه قادر على البقاء فيها كذلك ، فان ما هو خارج عن قدرته واختياره هو مطلق الكون فيها الجامع بين البقاء والخروج لا كل واحد منهما في نفسه ، الا ان حرمة التصرف فعلا بغير الخروج تستلزم لا محالة لزوم اختيار الخروج بحكم العقل فرارا عن المحذور الأهم. وعلى هذا فالنهي عن الخروج ممتنع لامتناع تركه من ناحية حكم العقل بلزوم اختياره ، لكن هذا