ذلك ، فان استعمالها في هذا المعنى كثير عند العرف ، بل هو امر متعارف بينهم ، ومرة أخرى حرمة تشريعية كاعتبار المولى الفعل محرماً على المكلف في عالم التشريع وإبراز ذلك بقوله : لا تفعل أو ما يشابه ذلك ، فيكون قوله هذا مبرزاً لذلك ودالا عليه ، وكذا الثبوت مرة ثبوت تكويني خارجي ، ومرة أخرى ثبوت تشريعي ، فصيغة الأمر أو ما شاكلها تدل على الثبوت التشريعي وتبرزه.
وعلى الجملة فالامر والنهي لا يدلان إلا على ما ذكرناه لا على الزجر والمنع والبعث والتحريك. نعم المولى في مقام الزجر عن فعل باعتبار اشتماله على مفسدة لزومية يزجر عنه بنفس قوله : لا تفعل أو ما شاكله ، غاية الأمر الزجر قد يكون خارجياً ، كما إذا منع أحد آخر عن فعل في الخارج ، وقد يكون بقوله لا تفعل أو ما يشبه ذلك ، فيكون قوله لا تفعل عندئذ مصداقاً للزجر والمنع ، لا انه وضع بإزائه ، كما ان الطلب قد يكون طلباً خارجياً وتصدياً نحو الفعل في الخارج كطالب ضالة أو طالب العلم أو نحو ذلك ، وقد يكون طلباً وتصدياً في عالم الاعتبار نحو الفعل فيه بقوله : افعل أو ما يشبه ذلك ، فيكون قوله : افعل وقتئذ مصداقاً للطلب والتصدي ، لا انه وضع بإزائه.
وعلى ضوء بياننا هذا قد ظهر ان الأمر والنهي مختلفان بحسب المعنى ، فان الأمر معناه الدلالة على ثبوت شيء في ذمة المكلف ، والنهي معناه الدلالة على حرمانه عنه ، ومتحدان بحسب المتعلق ، فان ما تعلق به الأمر بعينه هو متعلق النهي ، فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلا.
والوجه في ذلك واضح وهو انه بناء على وجهة نظر العدلية من ان الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها. فلا محالة يكون النهي كالأمر متعلقاً بالفعل ، ضرورة ان النهي عن شيء ينشأ عن مفسدة لزومية فيه وهي الداعي إلى تحريمه والنهي عنه ، ولم ينشأ عن مصلحة كذلك في تركه ،