سنه : أوله : حدثنا أبو عبدالله الكرخي ( رحمة الله عليه ) قال : حضرت مجلس الحجاج بن يوسف الثقفي ، وعنده جماعة من الأعيان ، والناس حوله محدقون ، ولهيبته مطرقون ، وهو كالجمل الهائج ، إذ دخل علينا صبي صغير السن لم يبلغ الحلم ، حسن الشباب نقي الثياب لا نبات بعارضه ، وهو كأنه البدر في ليلة تمامه ، فسلم على الحاضرين فردوا عليه السلام وقاموا له إجلالاً له ، فأُعجب الحجاج من حسنه وجماله ، وبهائه وكماله ، وأدبه وفصاحته وهيبته ، فقال له الحجاج : من اين أقبلت يا صبي ؟ فقال : « من ورائي » وساق الخبر ، ـ إلى أن قال ـ : ثم قال الحجاج : أي النساء أجود ؟ قال الصبي : « ذات الدلال والكمال والجمال الفاضل » قال : فما تقول في بنت العشر سنين ؟ قال : « لعبة اللاعبين » قال : فما تقول في بنت العشرين ؟ قال : « قرة أعين الناظرين » قال : فما تقول في بنت الثلاثين ؟ قال : « لذة للمباشرين » قال : فما تقول في بنت الأربعين ؟ قال : « ذات شحم ولحم ولين » قال : فما تقول في بنت الخمسين ؟ قال : « ذات بنات وبنين » قال : فما تقول في بنت الستين ؟ قال : « آية للسائلين » قال : فما تقول في بنت السبعين ؟ « قال عجوز في الغابرين » قال : فما تقول في بنت الثمانين ؟ قال : « لا تصلح لدنيا ولا دين » قال : فما تقول في بنت التسعين ؟ قال : « أعوذ بالله من الشيطان الرجيم » قال : فما تقول في بنت المائة ؟ قال : « لا تسأل عن أصحاب الجحيم » قال : فعند ذلك قال الحجاج : قد وصفتها لي نثراً ، فصفها لي نظماً ، فانشأ الباقر ( عليه السلام ) هذه الأبيات يقول :
« متى تلق بنت العشر قد نط نهدها |
|
كلؤلؤة الغواص يهتز جيدها |
وأما ابنة العشرين لا شيء مثلها |
|
فتلك التي تلهو بها وتريدها |
وبنت الثلاثين الشفا في حديثها |
|
خيار النسا طوبى لمن يستفيدها |
وان تلق بنت الأربعين فإنها |
|
هي العيش لم تهزل ولم يعس (١) عودها |
__________________________
(١) يعس : عسا الشيء يعسو : يبس وصلب ( لسان العرب ج ١٥ ص ٥٤ ) .