فدفع مكايد الشيطان من وجوه ، بعضها قبل الشكّ ، وبعضها بعده.
أما ما هو قبله فتحذير النفس وتحقيق معنى النيّة ، وأنّه هو الداعي لا الخطر بالبال ، وأنّ الإخلاص مما لا يمكن تحصيله في حال النيّة ، بل هو مما لا بدّ أن يحصل قبل العبادة ، وأنّ الشيطان يريد سلب لذّة العبادة وجعلها مبغوضة للعبد ، وطبعه متنافراً عنها ، فربّما يوسوس في أفعال الصلاة ، وربّما يوسوس في الطهارة عن الحدث أو الخبث ، فيزاوله حتّى يوقع المكلّف في الشدّة والمحنة ، ويجعله مطيعاً لنفسه في غاية الذلة والمهانة ، فلا بدّ من أخذ الحذر والأسلحة لدفع هذا العدوّ الخبيث بمذكّرات الشرع ومنبّهاته.
ومن جملة ذلك أيضاً إعداد الحصى لعدّ الركعات ونحو ذلك ، والالتجاء إلى الدعوات الواردة في الشكّ ونحوها.
وأما ما هو بَعده ، فمنها الإعراض والعمل على الصحّة كما هو حكم كثير الشكّ.
ومنها التروّي والتفكّر في تحصيل القرائن لأجل إخراج الشكّ إلى الظّنّ ، فكما أنّ مطلوب الشّارع عدم إعادة الصلاة ؛ فكذلك ما هو في معناه مثل صلاة الاحتياط وسجدتي السهو ونحوهما ، فإنّ الكلّ من ثمرات الشكّ ، والعلّة فيه غالباً هي غلبة الشيطان ، والإلهاء عن ذكر الله.
ويؤيّد ما ذكرناه ما رواه ابن إدريس في القويّ عن أبي بصير قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إنّ عيسى بن أعين يشكّ في الصلاة فيعيدها ، قال هل يشكّ في الزكاة فيعطيها مرّتين (١) ، وفي هذه الرواية مزية في الدلالة من جهة التنبيه على العلّة ، فإنّ محبّة المال هي العلّة في عدم إطاعة الشيطان في الزكاة دون الصلاة.
__________________
(١) مستطرفات السرائر ٣ : ٦١٣ ، الوسائل ٥ : ٣٤٤ أبواب الخلل ب ٢٩ ح ٢.