ولا يبعد حمل تلك الأخبار على خوف ذهاب وقت الفضيلة ، لا خروج الوقت كما يظهر من صحيحة صفوان وصحيحة زرارة الطويلة على من تأمّلها.
وعلى هذا فلو كان التقديم في الفائتة واجباً لزم هنا ترك الواجب لأجل المستحبّ ، وهو كما ترى.
سلّمنا ، لكن نحمل الأوامر على الاستحباب ، لعدم مقاومتها لما ذكرنا صحّة ودلالة وكثرة واعتضاداً.
وهذه هي أدلّتنا على استحباب تقديم الفائتة ، إذ الذي دلّ على استحباب تقديم الحاضرة روايات ، منها رواية جميل ، وهي أوضحها دلالة ، لكنها ضعيفة (١).
وصحيحة عبد الله بن سنان ، وصحيحة أبي بصير ، وهي لا تقاوم هذه من جهة الدلالة وإنّ غلبتها من جهة أصل التوسعة ولا منافاة.
مع أنّ في صحيحة زرارة ما يضعفها من جهة أُخرى ، وهو ما أشرنا إليه سابقاً من أنّ الظاهر منها خوف ذهاب الفضيلة ، سيّما مع التعليل بقوله عليهالسلام : «لأنّك لست تخافها».
وقد يقال : إنّ المضايقة موافقة لمذهب العامّة ، فيكون ذلك أيضاً من مرجّحات المختار.
وقد يستدلّ للمضايقة بالاحتياط وأنّه المبرئ للذمة يقيناً ، وبقوله تعالى (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (٢). والكلّ ضعيف ، إذ لا دليل على وجوب الاحتياط ، والأصل براءة الذمّة. وقد بيّنا المبرئ للذمّة الموجب للظنّ القويّ المعمول به ، ولا دليل على وجوب تحصيل اليقين.
وأما الآية فوجه الاستدلال أنّ معناها : أقم الصلاة لذكر صلاتي أيّ وقت ذكرها أو تذكّرها ، أو أقم الصلاة وقت تذكيري لها إيّاك.
__________________
(١) بالإرسال.
(٢) طه : ١٤.