قلت : وحداه إلى ذلك أيضا ما طبع عليه من محبة الحروب والفتوح وما رآه من ثوران الحمية الدينية في صدور الأنكجارية وهم من السنية الحمس الغلاة في دينهم فخاف أن يبطشوا به إن أحجم عن السير بهم للبطش بإسماعيل. قال : فزحف عليه في عسكر جرار والتقى الجيشان بقرب تبريز وجرت بينهما وقعة هائلة فانهزم جيش إسماعيل واستولى سليم على خيامه وسائر ما فيها. ثم إنه أراد الإقامة ببلاد فارس للتمكن من الاستيلاء عليها فلم يتأت له لشدة القحط لأن الأسعار قد غلت حتى بيعت العليقة بمائتي درهم والرغيف بمائة درهم ، وسبب هذا القحط تخلف قوافل الميرة التي كان سليم قد أعدها لتتبعه في مكان الحاجة فقطعها عنه نائب مرعش بإيعاز الغوري كما سيأتي ، وكان إسماعيل لما انهزم أمر فأحرق ذخائر الحب والشعير كلها فلم يجد سليم في تبريز شيئا فاضطر إلى القفول عن بلاد فارس قبل إتمام فتحها.
وكان الغوري حليفا لإسمعيل كما أسلفنا فأوجس من الترك خيفة على نفسه وحدس أن سليما سيلتفت لا محالة إلى الشام ومصر بعد فروغه من أمر الفرس ، وعلم أن ضعف إسماعيل مما يزيد الترك قوة على قوتهم وهذا ما يخشى معه زوال ملك المصريين فرأى من الحزم أن يكون ضلعه مع إسمعيل ليقوم عنه بوجه الترك فحالفه وأوعز سرا إلى نائبه بمرعش وبلادها أن يتسبب ما استطاع في قطع قوافل الميرة عن سليم إذا اجتازت ببلاده ، وكان لا بد لها من الاجتياز بها في مسيرها إلى فارس وأن يثبط أهل عمله عن بيع الذخائر والعلف من الجيش العثماني. وخرج هو نفسه في عساكر مصر وسار إلى حلب يروم في الباطن إخافة سليم وتهديد ساقة جيشه إلا أنه أشاع في الظاهر أنه لا يروم سوى السعي في الصلح بين الترك والفرس ، ولما كتب إليه سليم يشكو إليه ما فعله نائب مرعش أجابه أن النائب المذكور عاص علي فإن ظفرت به فافعل به ما شئت ودس إلى النائب سرا يشكره على ما فعل ويغريه بالاستمرار في معاسرة الترك ، فلم تخف على سليم هذه المخاتلة وقفل عن بلاد فارس مصمما على البطش بالغوري وشرع يتجهز لذلك ويتأهب ، وكان أول ما بدأ به أن انقض بجيشه على نائب مرعش وكسره شر كسرة واعتقله واعتقل بنيه ثم ضرب أعناق الجميع وأرسل برؤوسهم مع قصاده إلى الغوري وهو يومئذ بحلب مع عساكره فقال الغوري عندها : زال والله ملكنا ، وأخذ يشنع على أفعال سليم على مسمع من قصاده وهو في كل ذلك يظهر أنه ما خرج في الجيش من مصر إلا ليصلح بين سليم وإسمعيل ، وبلغ منه أن أرسل إلى سليم