بلاد العرب بالإمامة على المسلمين كافة ، وهكذا يحق له أن يلقب نفسه بالخليفة خادم الحرمين فأدرك سؤله كما سترى ، ولا ريب أنه كان مطلعا على تغاوي أمراء الجراكسة على سلطانهم قانصوه الغوري وواقفا على ما كان خير بك والغزالي يضمران له من الخيانة ، بل لعله هو الذي جرأهما على ذلك وراسلهما فيه سرا ووعدهما جزاء لممالأتهما أن يقطع أحدهما مصر والآخر الشام مدة حياتهما إذا فتح الله عليه هذين القطرين.
إلا أنه رام قبل التصدي للغوري أن يتودد إلى السنية من رعيته ورعية الغوري (١) بأن يغزو إسماعيل شاه المتغلب يومئذ على بلاد الفرس وكان شيعيا مغاليا وأكره الفرس على التشيع والغلو المفرط في الدين إلا أنه كان مع ذلك حليفا للغوري.
قال الشيخ مرعي المقدسي : إن إسماعيل شاه هذا تغلب على فارس وقهر ملوكها وقتل من عساكرها (٢) ما ينيف على ألف واستفحل أمره وضخمت دولته وعتا حتى ادعى الربوبية ، فكان عسكره يسجدون له (٣) ، وقتل علماء السنة وأحرق كتبهم ونبش قبور المشايخ وأحرق عظامهم ، فلما بلغ ذلك سليما تحركت نفسه لقتاله وعد ذلك من أفضل الجهاد.
__________________
(١) هذه النظرية بعيدة كل البعد عن مرمى الحقيقة ، والذي أراه أن الذي دعاه إلى ذلك ما كان عليه من التمسك بعقائد أهل السنة وحبه للجهاد وما كان يأتيه الشاه إسماعيل من الفظايع والمنكرات والبدع وخشية قصد بلاده نظرا لاستفحال أمره كما يستفاد من تاريخ القطبي والسيد الدحلاني.
(٢) هذا سهو وعبارة العلامة القطبي في تاريخ مكة : وقتل خلقا لا يحصون ينوف على ألف ألف نفس.
(٣) لا صحة لذلك وعبارة الإمام القطبي : وكاد أن يدعي الربوبية وهي صريحة في أنه لم يدعيها ، وقال بعد سطر : وكانوا [أي رعيته] يعتقدون فيه الألوهية وأنه لا ينكسر ولا ينهزم ، ولم يذكر هو ولا السيد الدحلاني أن عسكره كانوا يسجدون له.