من هؤلاء ، فرام الغوري أن يقطع شأفتهم ليخلص له الملك وترسخ فيه قدمه ، ولعله كان ليدرك سؤله هذا لو لم تخترمه المنية ويذهب ملكه قبل أن يتم ما شرع فيه.
وكان من جملة الذرائع التي تذرع بها لبلوغ أربه من استئصالهم أنه أخذ يشتري لنفسه مماليك جددا يسميهم بالجلبان وكان يدربهم في أبواب الحرب متوخيا أن يجعلهم مكان القرانصة حتى صار عنده عدد كاف ، فأشعر بعض الأمراء بما كان يدبره فتغاووا والتووا عليه ، وكان أشدهم تغاويا والتواء خير بك نائب حلب وجنبر دي الغزالي (١) إلا أنهما رأيا من تأثل أمره وما كان له من الهيبة في قلوب الرعية والمرؤوسين من الجند ما حملهما على كتمان ما في نفسهما ، فلم يجسرا على معاملته بما جرت به العادة من الخلع والقتل بل ناصباه العداوة باطنا ومالا عليه العدو وتربصا به السوء ، وكانت دولة بني عثمان في عنفوان شبابها وقتئذ وذلك أنهم كانوا قد فتحوا القسطنطينية قبل ذلك بقليل أي في سنة سبع وخمسين وثمانمائة واستولوا على ما كان باقيا بأيدي الروم من مملكتهم القديمة واستووا مكانهم على عرش قسطنطين وثلوا دولة القياصرة بتة فانقرضت وكان ذلك آخر العهد بها وضخمت بذلك دولة آل عثمان وهابتهم الملوك كافة ، وكان أول من دخل القسطنطينية منهم السلطان محمد الملقب بالفاتح وأقام في السلطنة بها ثلاثين سنة أو نحوها ومات سنة ثمان وثمانين وثمانمائة فخلفه ابنه بايزيد الثاني ، ولما كانت سنة سبع عشرة وتسعمائة خرج عليه ابنه سليم وانتزع منه الملك ، وكان سليم هذا مقداما بعيد مرامي الهمة محبا للحروب مولعا بالفتوح حريصا على توسيع نطاق المملكة ، وكان كثير المطامع إلا أن أشدها حبا إليه هو أن يلقب بالخليفة ويدعى خادم الحرمين الشريفين وهما مكة وبيت المقدس (٢) لأنه كان يرى أنه إذا أحرز هذه المنزلة وجبت له الطاعة على المسلمين كافة أيان كانوا ، فلذا جعل الاستيلاء على الشام ومصر نصب عينيه ونوى إذا فتحهما أن يقبض على الخليفة العباسي ، وكان يومئذ مقيما بمصر فيكرهه على خلع نفسه من الخلافة والنزول له عنها ثم يفتح مكة فتعترف له
__________________
(١) قال الشيخ مرعي المقدسي : هما رأس المخامرين عليه ا ه منه.
(٢) الحرمان الشريفان هما مكة المكرمة والمدينة المنورة والعادة الجارية أن يقال في الدعاء خادم الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى ، والذي أراه أن هذه الفكرة تولدت معه بعد الاستيلاء على الديار الشامية والمصرية والله أعلم.