سمع ذلك تعلل وأظهر أنه ضعيف لا يقدر على السفر ، فحنق منه السلطان وألزمه بالسفر ولم يقبل له عذرا وأرسل يقول لخليفة سيدي أحمد الرفاعي : اعمل برقك حتى تسافر صحبتي.
وفيه عرض السلطان غلمانا للبيوتات من الفراشين والبابية والركبخانة والحجارين والشربدارية والزردخانية من النفطية وغير ذلك ، وطلب الأمير علم الدين الذي يحكم على الطبالين والزمارين وألزمه أن يصرف على من يسافر صحبته من الطبالين والزمارين والمنقرين من كيسه وقال له : أنت تأكل معلوم هذه الوظيفة عدة سنين فأنفق عليهم من عندك وإلا فعندنا من يلي هذه الوظيفة ويفعل ذلك.
ثم عرض مغاني الدكة وهم أحمد أبو سنة والمحوجب والمحلاوي وأمرهم أن يسافروا صحبته ، ثم عين جماعة من النجارين والحجارين وأمرهم بالسفر معه ، ثم عرض هؤلاء المذكورين ولم ينفق عليهم شيئا بل صرف لهم جامكية أربعة أشهر لا غير ولم يعطهم نفقة وقال لهم : أنتم تأكلون جوامك السلطنة كذا وكذا سنة فعند إرادتي سفركم تطلبون مني نفقة. ولما تحقق القضاة سفر السلطان أخذوا في تجهيز أمرهم وعمل برقهم وعينوا معهم جماعة كثيرة من النواب. وكذلك كلف جماعة من القراء والوعاظ بوساطة نقيب القراء شمس الدين الظريف وأمروا أن يسافروا صحبة السلطان كما فعل القضاة مع نوابهم.
قال في «تعطير المشام في تاريخ الشام» (١) نقلا عن «الكواكب السائرة» : إن الغوري لما تجهز من مصر أشاع أنه يريد الإصلاح بين ملوك الروم وملك العجم لما كان من المودة بين الغوري وملك العجم كما ذكرنا ، وكان ينسج المودة بينهما رجل أعجمي كان قربه الغوري بمصر وهو الذي أغراه على الخروج لإصلاح ذات البين بين ذينك الملكين ، وكان الغوري داخله وجل باطني من ملك العجم بسبب قصة عجيبة كانت أيضا من أسباب تحرك السلطان سليم على ملك العجم ، وتلك القصة هو أن إسماعيل شاه ملك العجم كان قد قتل صاحب هراة وولده فبعث برأس الأب إلى السلطان سليم وبرأس الابن إلى الغوري وكتب إلى الأول رسالة مطلعها :
__________________
(١) هو لصديقنا الشيخ محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي رحمهالله مؤلف موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين وغيره.