الحمد لله الذي أصحابنا ينصفون من أنفسهم قبل حضورهم عندنا ، وكان إنما يعينه على ذلك صدقه وحسن نيته.
ثم سلك هذه السنة السلطان الملك الظاهر غازي فبنى سورا على حلب وفتح له بابا من جهة القبلة تجاه باب العراق وبابا من جهة الشرق والشمال على حافة الخندق كما سيأتي في سورها ، وكان إذا ركب يخرج منهما فبنى دار العدل بحلب لجلوسه العام فيها بين السورين السور العتيق الذي فيه الباب الصغير وفيه الفصيل الذي بناه نور الدين وبين السور الذي جدده ، ومكتوب على بابها [أنشأ هذه الدار إقبال الظاهري العزيزي الناصري بتولي مملوكه أيدغدي صنعة المطوع] ولم تزل الملوك تجدد في هذه الدار سيما بعد فتنة تيمور ، فإينال الصصلاني وسع المقعد المعروف بالشباك ، ويشبك جدد البحرة ، وتغري درمش (١) عمر السقف الذي قدام الشباك ورخم الأرض تحته وجدد المكان الذي يجلس فيه المباشرون وقرقماش بنى قبة بأربعة أواوين فوق سطحها ، وقانيباي البهلوان بنى قبة على الزردخاناه وفرغ من ذلك سنة خمسين وثمانمائة ، وجلبان جدد المطبخ ، وجدد جانبيك المؤيدي بها أماكن ، ثم المقر السيفي قانصوه جدد فيها مقعدا عظيما ملاصقا لجنينة يشبك ، وكان الناس يمرون من الشباك إلى الجنينة على باب الحريم فقطع ذلك أبغا وغيره وجعل للجنينة لما بناه مدخلا من عند الشباك وعزل طريقا خربا هناك وبناه أحسن بناء وجعله مقعدا للمباشرين يجلسون فيه عند باب المقعد المذكور وذلك في سنة ست وسبعين.
وتقدم في الجوامع مسجد السيدة وجامع الناصري ومن بناه [ذكر ثمة أنهما مبنيان داخل دار العدل] وكل نائب ينعزل من حلب تتركها أعوانه كالخربة فيأتي من بعده يصلحها ، وبهذه الدار حمام لأجل حريم الملوك وقاعة الحريم سقط منها مكان على جواري جانم أخي الأشرف كافل حلب فمات منهم من مات ، فجدده المذكور. ومن الغرائب أن البلدي كافل حلب وقع من إصطبله بها حجر على فرس له فمات الفرس ، فكتب السلطان إليه يخفض عنه في ذلك فشق عليه ذلك ، فقيل له : لأي شيء شق عليك؟ فقال : فرس في إصطبلي يموت فما يخفى على السلطان فكيف أحكامي ١ ه.
__________________
(١) سيمر هذا الاسم بأشكال مختلفة : درمش ، ويرمش ، ورمش ، برمش ، ولم أهتد إلى وجه الصواب. على أنه عند ابن إياس في بدائع الزهور : برمش.