وقد تتبعت كثيرا فلم أقف على من ولي حلب بعد أحمد قره جا باشا وقبل ولاية عيسى باشا الذي عين في هذه السنة ، وكان سبب تعيينه قتل غوغاء الناس لقاضي حماة المشهور بقرا قاضي علي بن أحمد علاء الدين الرومي ، وسبب ذلك كما قاله الحنبلي في در الحبب في ترجمته أن القاضي المذكور ولي كتابة الإبل وتفتيش أوقاف حلب وأملاكها والنظر على الأموال السلطانية ، فبالغ في جمعها وتثميرها حتى أخرج حكما سلطانيا بمنع توريث ذوي الأرحام من الشافعية بخصوصهم وضبط التركة لبيت المال ، وأراد أن يجعل ملح المملحة الذي صار مضبوطا لبيت المال أغلى من الفلفل ، قال لأن الناس أحوج إلى الملح منه ، ومنع من بيع حنطة كانت للخزائن الشريفة السليمانية في سنة كانت ذات قحط وهي سنة أربع وثلاثين. ثم أحضرته المنية إلى الجامع الأموي بحلب يوم الجمعة خامس شعبان من السنة المذكورة فقامت غوغاء الناس وكثر طغامهم بعد صلاة الجمعة وأخذوا في التكبير عليه وقتلوه داخل الحجازية بالنعال والحجارة على وجه لم يعلم له قاتل معين وجروه بعد أن جردوه من ثيابه ليحرقوه ، فخلصه جماعة من أهل الخير ودسوه في ميضاة إلى ثاني يوم ثم غسلوه وكفنوه ودفنوه ، ثم كان ما كان من تفتيش عيسى باشا الآتي ذكره على قاتليه على الوجه الذي سنبديه عند ترجمته.
(قال ثمة) : لما أمر بالتفتيش بحلب على قتلة القاضي علاء الدين الرومي حضر إليها في المحرم سنة خمس وثلاثين ونزل في الميدان الأخضر وأحضر عنده سائر الأكابر من العلماء والتجار وحبس مشايخ المحلات وأئمتها إلا من عصمه الله تعالى ، ثم أطلق الأئمة وقبض على أرباب الوظائف بالجامع المذكور إلا من سلم لوقوع القتل فيه يوم الجمعة وشدد عليهم ووضع بعضهم في السلاسل وأخذ في الفحص عن المتهمين ، فمنهم من قرره ومنهم من اضطرب في جوابه ومنهم من عراه ليضربه فلم يقر ، ثم استخرج من السجلات بعضا آخر من أرباب التهم وجمع المتهمين عن آخرهم ، ثم أمر بوضع جميع الحاضرين من الخواص والعوام في السلاسل فأخذ الأعوان في ذلك فسامح في الخواص بعد ذلك ، إلا أنه لم يطلق أحدا ذلك اليوم وبيتهم تلك الليلة هناك بحيث رجعت خيولهم إلى دورهم وهم لا يدرون ماذا يفعل بهم. وفي ذلك اليوم لم يزل عسكره متسلحين واقفين بين يديه حتى ظن أنه يضرب أعناق جميع الحاضرين ، ثم في ثاني يوم أرسل شرذمة من عسكره إلى سجن حلب فأحضروا منه المتهمين بقتل قرا قاضي فأخر ١ منهم للقتل جماعة فوق العشرين وقتلهم في نهار واحد وسجن الباقين ،
__________________
١ ـ في بعض مخطوطات «در الحبب» فأخذ