بلدة ما سحبه بحبل من فوق بابها وكل سقف أو سقيفة بها إلى أن وصل به إلى حلب ، فأبرم على الحلبيين فسحبوه من فوق سور باب المقام ولم يدخلوه تحت ظل إلى أن أريد سحبه من أعلى سور القلعة فوقع المنع إلا بإذن سلطاني ، فوضع على قبة التكية الخسروية ، وكان الجراد قد غرز في الأرض فأخذ أركان الدولة في جمعه من أطراف حلب وهو يومئذ كالذباب الصغير فجمعوا منه بضبط قاضي حلب مائة ألف كيل إسطنبولي على كل بيت كيلان فيما زعموا وألقوه في الآبار والحفاير ، فلم يمض القليل من الزمان إلا وكبر ما بقي وزحف على بساتين حلب فحرك الماء المذكور ليجيء السمرمر بتحرك الشيخ محمد الكواكبي (١) ومعه مريدوه فلم يفد ، فزعم بعض الناس أن خاصيته انقطعت إذ لم يكن الوارد به من أهل الصلاح والشرط أن يكون منهم.
وما سر الناس بقدوم هذا الماء في السنة المذكورة إلا وجاءهم بعيد هذا فيها خبر عزل قباد باشا فسروا ثانيا لما أصابهم من ظلم صوباشيه ، ثم أظهر واحد من حلب حكما لقاضيها بالتفتيش على صوباشيه فأرسل قاضيها الحكم والمدعي مع محضر باشي إلى قباد باشا ليرسل الخصم لسماع الدعوى ، فاجتمع باقي الشكاة في جماعة من الأوباش ينتظرون ما يؤول إليه أمر الخصم على باب دار العدل ، فلما دخل محضر باشي بمن معه وعرض الحكم على قباد باشا فسوّف المدعي إلى ثاني يوم ، فذهب فرده وجدع أنفه وأطلقه فاجتمع به قاضي حلب فلم يلتفت إليه بل أسند إليه أنه هو الذي حسّن جدع أنف المدعي على لسان محضر باشي بناء على أنه لو يجدع لهجم الحلبيون عليه وقتلوه كما قتلوا قرا قاضي فكان في الجدع دفع الفتنة ومنع القتل به ، فخرج قاضي حلب من عنده واتهم المحضر باشى لما نقل عنه وأنه هو الذي نسب إلى الحلبيين ما نسب بطريق الفرية التي ما فيها مرية ، فعرض قباد باشا أنهم حضروا بباب دار العدل متسلحين ليقتلوه ويدخلوا مكانا كان سراي الحضرة العالية إذ حل ركابه بحلب قديما ، وعرض قاضي حلب جزاه الله خيرا عن أهل حلب أنه لم يحضر أحد منهم بشيء من السلاح بل هم مظلومون ، وذهب المدعي بغير عرض فوصل عرض قباد باشا أولا وشاع بحلب أنه يؤخذ منها طائفة يساقون إلى بغداد ، ووصل عرض قاضي حلب ثانيا فطلب المحضر باشي إلى الباب فأحضره قاضي حلب بعد وصول فرهاد باشا عوض قباد باشا وأشهد عليه جماعة ممن يقتدي بهم أنه لم ير أحدا متسلحا بباب دار العدل يريد قتل قباد باشا ، فذهب إلى الباب العالي
__________________
(١) إنه لم يحركه إلا بتكليف الحاكم وأمره له.