قال في خلاصة الأثر في ترجمة (نصوح باشا) : وشهرته بناصف باشا وهذه عادة الأتراك في تلاعبهم بالحروف فيقولون نصوح ناصف ، وتبديلاتهم ليس لها حد يحصرها ولا قاعدة تضبطها. ونصوح باشا هذا أصله من نواحي درامة من بلاد روم إيلي خدم أولا في حرم السلطنة الخاص ثم صار من المتفرقة وحكم ببلدة زله ، ثم صار أمير أخور صغير في سنة سبع بعد الألف ثم ولي كفالة حلب ، وكان متغلبا في حكمه عسوفا قوي النفس شديد البأس ، ولما كان لجند الشام حينئذ الغلبة والعتو وكان في ذلك العهد يذهب منهم في كل سنة طائفة إلى حلب وينصب عليهم سردارا من كبرائهم يستخدمون بمدينة حلب ، وكان بعض كبار الجند قد تقووا في حلب وفتكوا وجاروا خصوصا طواغيهم خداوردي وكنعان الكبير وحمزة الكردي وأمثالهم حتى رهبهم أهلها وصاهرتهم كبراؤها واستولوا على أكثر قراها ، فلما رأى نصوح باشا ما فعلوه وما استولوا عليه منها ومن قراها بحيث قلت أموال السلطنة وصارت أهالي القرى كالأرقاء لهم رفع أيديهم عن قراها وجلاهم عن تلك البلاد ووقع بينه وبينهم وقعة ، وكان معه حسين باشا ابن جانبولاذ عند المعرة وفروا بين يديه هاربين إلى حماة وأخذ ما وجد من أموالهم وخيولهم وخيامهم ، ثم جمعوا عليه عشيرا بحماة وأرادوا قتاله فأدركهم مرور علي باشا الوزير منفصلا عن نيابة مصر ومعه خزينتها عن سنتين ، وقد تحفظ عليها بخمسة عشر مدفعا وعساكر نحو الأربعة آلاف فجاؤوا إلى دمشق للقائه واتقائه ، فلما خرج علي باشا من دمشق بالخزينة قاصدا جانب السلطنة لم يصل إلى حماة حتى هموا بالخروج وخرج أوائلهم ، ثم ذهب في أثناء ذلك طاغيتهم خداوردي وفي صحبته نحو عشرين رجلا من أعيانهم إلى الأمير علي ابن الشهاب ثم إلى الأمير فخر الدين ابن معن (من أمراء الدروز) ووقعوا عليهما في السفر معهم لقتال ابن جانبولاذ وأخذ ثأرهم منه ، فسافر قبلهم أمير بعلبك الأمير موسى بن الحرفوش وجمعوا عشيرا كثيرا بحمص وحماة ، وورد أمر سلطاني وعليه خط شريف بأن طائفة الجند بالشام لا يخرجون إلى حلب لقتال كافلها ناصف باشا وحاكم كلّز حسين باشا ابن جانبولاذ لأنهم كانوا اجتمعوا وعرضوا بذلك إلى أبواب الدولة ، وكان ذلك جواب عرضهم ، وكان وصوله إلى دمشق يوم السبت عاشر رجب سنة اثنتي عشرة بعد الألف. ومن جملة ما ذكر في الخط المذكور أنهم إن خرجوا يكونوا مغضوبا عليهم مستحقين للعقوبة والنكال من السلطان ، فرأى نائب الشام إذ ذاك فرهاد باشا وقاضيها المولى مصطفى بن عزمي ودفتريها حسن باشا أنهم لا يرجعون إلا بحيلة ، فرأوا أن يرسلوا الشيخ محمد بن سعد الدين لكسر هذه الفتنة الموجبة للعقوبة إلى